وفي الآية دلالة على أن الأمور الضرورية والاحكام والقوانين البينة التي تجرى في النظام المشهود كقولنا: لا واسطة بين الحق والباطل ولا بين الهدى والضلال لها نوع استناد إلى القضاء الإلهي، وليست ثابتة في ملكه تعالى من تلقاء نفسها.
وربما ذكر بعض المفسرين: أن المراد بالكلمة في الآية كلمة العذاب وقوله:
(أنهم لا يؤمنون) في موضع التعليل بتقدير لامه، والتقدير كثبوت هذه الحجة عليهم حقت كلمة ربك على الذين فسقوا وهى وعيدهم بالعذاب وانما حقت عليهم العذاب لانهم لا يؤمنون.
ولا يخلو عن سقم فان وجه الشبه غير ظاهر ولا متفق فيهما فالحجة ثابتة عليهم بذاتها وأما العذاب فليس ثبوته كذلك بل لأمر آخر وهو انهم لا يؤمنون.
والحجة - كما سمعت في البيان المتقدم - حجة ساذجة يعترف بحقيتها الوثنية، وقد صرفوها عن وجهها وأقاموا على ما يدعونها من ربوبية أربابهم واستحقاقها للعبادة من دون الله حيث قالوا: ان تدبير كل شأن من شؤون العالم العامة إلى واحد من هذه الأرباب فهو رب ذلك الشأن، وانما نعبد أصنامها وتماثيلها لنرضيها بذلك فتشفع لنا عند الله بما لها من القرب عنده.
فأخذت الآية اعترافهم بأن هذه التدابير لله سبحانه - وكيف لا تكون له وهو خالق الكل ومبقيها؟ - فله سبحانه وحده حقيقة الربوبية وهو المستحق للعبادة لا غيره.
قوله تعالى: (قل هل من شركائكم من يبدء الخلق ثم يعيده) إلى آخر الآية. تلقين للاحتجاج من جهة المبدء والمعاد فان الذي يبدء كل شئ ثم يعيده يستحق ان يعبده الانسان اتقاء من يوم لقائه ليأمن من أليم عذابه وينال عظيم ثوابه يوم المعاد.
ولما كان المشركون - وهم المخاطبون بالحجة - غير قائلين بالمعاد أمر تعالى نبيه صلى الله عليه وآله وسلم ان يتصدى جواب سؤاله بنفسه وقال: (قل الله يبدء الخلق ثم يعيده فأنى تؤفكون) وإلى متى تصرفون عن الحق.