حجج ساطعة على توحيده تعالى في الربوبية يأمر نبيه صلى الله عليه وآله وسلم بإقامتها على المشركين، وهى ثلاث حجج مرتبة بحسب الدقة والمتانة فالحجة الأولى تسلك من الطريق الذي يعتبره الوثنيون وعبدة الأصنام فإنهم إنما يعبدون أرباب الأصنام بأصنامهم من جهة تدبيرهم للكون فيعبدون كلا منهم لأجل ما يخص به من الشأن، وما يرجع إليه من التدبير ليرضى بذلك عمن يعبده فيفيض عليه بركاته أو ليؤمنه فلا يرسل إليه سخطه وعقابه كما كان يعبد سكان السواحل رب البحر، وأهل الجبال وأهل البر وأهل العلوم والصنائع وأهل الحروب والغارات وغيرهم كل يعبد من يناسب تدبيره الشأن الذي يهمه ليرضى عنه ربه فيبارك عليه برضاه أو يكف عنه غضبه.
ومحصل الحجة ان تدبير العالم الانساني وسائر الموجودات جميعا يقوم به الله سبحانه لا غير على ما يعترفون به فمن الواجب ان يوحدوه بالربوبية ولا يعبدوا إلا إياه.
والحجة الثانية ما يعتبره عامة المؤمنين، وذلك انهم لا يلتفتون كثيرا إلى زخارف هذه النشأة من لذائذ المادة، وانما جل اعتنائهم بالحياة الدائمة الأخروية التي تتعين سعادتها وشقاوتها بالجزاء الإلهي بأعمالهم فإذا قامت البينة العقلية على الإعادة كالبدء كان من الواجب ان لا يعبد إلا الله سبحانه، ولا يتخذ أرباب من دونه طمعا في ثوابه وخوفا من عقابه.
والحجة الثالثة وهى التي تحن إليها قلوب الخاصة من المؤمنين وهى ان المتبع عند العقل هو الحق، ولما كان الحق سبحانه هو الهادي إلى الحق دون ما يدعونه من الأرباب من دون الله فليكن هو المتبع دون ما يدعونه من الأرباب، وسيأتى في تفسير الآيات توضيح هذه الحجج الثلاث بما تنجلي به مزيد انجلاء إن شاء الله.
ولولا اعتبار هذه النكتة كان الظاهر أن تذكر اولا الحجة الثانية ثم الثالثة ثم الأولى أو تذكر الثانية ثم يجمع بين الأولى والثالثة فيذكر بعدها.