وقوله: (كأنما أغشيت وجوههم قطعا من الليل مظلما) القطع جمع قطعة ومظلما حال من الليل، والمراد كأن الليل المظلم قسم إلى قطع فأغشيت وجوههم تلك القطع فاسودت بالتمام، والمتبادر منه أن يغشى وجه كل من المشركين بقطعة من تلك القطع لا كما فسره بعضهم أن المراد أن الوجوه أغشيت تلك القطع قطعة بعد قطعة فصارت ظلمات بعضها فوق بعض. فليس في الكلام ما يدل على ذلك.
وقوله: (أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون) يدل على دوام بقائهم في النار للدلالة الصحابة والخلود عليه كما أن نظيره في أصحاب الجنة يدل على نظيره.
قوله تعالى: (ويوم نحشرهم جميعا ثم نقول للذين أشركوا مكانكم أنتم وشركاؤكم) إلى آخر الآية. المراد حشر جميع من سبق ذكره من المؤمنين والمشركين وشركائهم فإنه تعالى يذكر المشركين وشركاءهم في هذه الآية وما يتلوها ثم يشير إلى الجميع بقوله في الآية التالية: (هنالك تبلوا كل نفس ما أسلفت).
وقوله: (ثم نقول للذين أشركوا مكانكم أنتم وشركاؤكم) أي الزموا مكانكم أنتم وليلزم شركاؤكم مكانهم وتفرع على هذا الخطاب أن زيلنا بينهم، وقطعنا الرابطة التي كانت تربطهم بشركائهم وهى رابطة الوهم والحسبان التي يتصلون بسببها بشركائهم فانقطعوا عن شركائهم وانقطع شركاؤهم عنهم فبان أن عبادتهم لم تقع عليهم ولم تتعلق بهم لانهم إنما عبدوا الشركاء وهم ليسوا بشركاء.
والدليل على هذا الذي ذكرناه قوله تعالى بعده: (وقال شركاؤهم ما كنتم إيانا تعبدون) فالكلام على ظاهره من النفي الجدي الصادق لعبادتهم إياهم، وليسوا يكذبون في كلامهم هذا بدليل استنادهم إلى شهادة الله سبحانه، ولا أنهم يريدون أنا لم نكن ندعوكم إلى عبادتنا فإن الكلام لا يلائم هذا المعنى، ولا أن مرادهم التعريض لهم بأنكم كنتم تعبدون أهواءكم وشياطينكم المغوين لكم في الحقيقة فإن ذلك لا يلائم دعواهم الغفلة، وكذا لا يلائمه قوله بعده: (هنالك تبلوا كل نفس ما أسلفت) الخ، على ما سيجئ من معناه بل مرادهم نفى العبادة حقيقة بنفي حقيقة الشركة، والاستشهاد على ذلك بشهادة الله وعلمه بغفلتهم عن عبادتهم.