على أن القول بوجود الاختلاف الدائم بين الناس مع عدم رجوعه إلى الفطرة مما لا يجتمعان.
ومنها: أن المراد أن الناس جميعا كانوا على ملة واحدة هي الكفر والشرك ثم اختلفوا فكان مسلم وكافر.
وهذا أسخف الأقوال في الآية فإنه مضافا إلى كونه قولا بغير دليل يأباه ظاهر الآيات فإن ظاهرها أن ظهور الاختلاف لانتهائه إلى بغى الناس من بعد ما جاءهم العلم أي ظهور الكفر والشرك عن بغى كان هو المقتضى للحكم بينهم والقضاء عليهم بنزول العذاب والهلاك فإذا كانوا جميعا على الكفر والشرك من غير سابقه هدى وإيمان فما معنى استناد الاقتضاء إلى البغى عن علم؟ وما معنى خلق الجميع ووجود المقتضى لاهلاكهم جميعا إلا انتقاض الغرض الإلهي؟
وهذا القول أشبه بما قالته النصارى في مسألة التفدية أن الله خلق الانسان ليطعمه فيسكنه الجنة دائما لكنه عصاه ونقض بذلك غرض الخلقة فتداركه الله بتفدية المسيح.
ومنها: قول بعضهم: إن المراد بالكلمة في قوله: (ولولا كلمة سبقت من ربك) الخ قوله تعالى فهذه السورة: (إن ربك يقضى بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون) الآية 93.
وفيه: أن المراد بالسبق إن كان هو السبق بحسب البيان فالآية متأخرة عن هذه الآية لوقوعها في أواخر السورة، والآيات متصلة جارية. على أن الآية في بني إسرائيل خاصة والضمير في قوله: (بينهم) راجع إليهم وهى قوله: (ولقد بوأنا بني إسرائيل مبوأ صدق ورزقناهم من الطيبات فما اختلفوا حتى جاءهم العلم إن ربك يقضى بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون) يونس: 93.
على أن قوله في بعض الآيات: (ولولا كلمة سبقت من ربك إلى أجل مسمى لقضى بينهم) الشورى: 14 لا يلائم هذا المعنى من السبق.