وتوضيحه أن الانسان عجول بحسب طبعه يستعجل بما فيه خيره ونفعه أي إنه يطلب من الأسباب أن تسرع في إنتاج ما يبتغيه ويريده فهو في الحقيقة يطلب الاسراع المذكور من الله سبحانه لأنه السبب في ذلك بالحقيقة فهذه سنة الانسان وهى مبنية على الأهواء النفسانية فإن الأسباب الواقعة ليست في نظامها تابعة لهوى الانسان بل العالم الانساني هو التابع الجاري على ما يجريه عليه نظام الأسباب اضطرارا أحب ذلك أو كرهه.
ولو أن السنة الإلهية في خلق الأشياء والاتيان بالمسببات عقيب أسبابها اتبعت أو شابهت هذه السنة الانسانية المبنية على الجهل فعجلت المسببات والآثار عقيب أسبابها لأسرع الشر وهو الهلاك بالعذاب إلى الانسان فإن سببه قائم معه، وهو الكفر بعدم رجاء لقاء الله والطغيان في الحياة الدنيا لكنه تعالى لا يعجل الشر لهم كاستعجالهم بالخير لان سنته مبنية على الحكمة بخلاف سنتهم المبنية على الجهالة فيذرهم في طغيانهم يعمهون.
وقد بان بذلك اولا: أن في قوله (لقضى إليهم أجلهم) نوعا من التضمين فقد ضمن فيه (قضى) معنى مثل الانزال أو الابلاغ ولذا عدى بإلى.
والمعنى قضى منزلا أو مبلغا إليهم أجلهم أو أنزل أو أبلغ إليهم أجلهم مقضيا وهو كناية عن نزول العذاب فالكلمة من الكناية المركبة.
وثانيا: أن في قوله: (فنذر الذين) التفاتا من الغيبة إلى التكلم مع الغير، ولعل النكتة فيه الإشارة إلى توسيط الأسباب في ذلك فإن المذكور من أفعاله تعالى في الآية وما بعدها كتركهم في عمههم وكشف الضر والتزيين والاهلاك أمور يتوسل إليها بتوسيط الأسباب، والعظماء إذا أرادوا أن يشيروا إلى دخل أعوانهم وخدمهم في بعض أمورهم أتوا بصيغة المتكلم مع الغير.
قوله تعالى: (وإذا مس الانسان الضر دعانا لجنبه أو قاعدا أو قائما) إلى آخر الآية. الضر بالضم ما يمس الانسان من الضرر في نفسه، وقوله: (دعانا لجنبه أو قاعدا أو قائما) أي دعانا منبطحا لجنبه الخ، والظاهر أن الترديد للتعميم أي دعانا على أي حال من أحواله فرض من انبطاح أو قعود أو قيام مصرا على دعائه لا