داخل ذواتكم ونضعها في الخارج فكيف يخفى علينا كونكم تريدون بنا المكر بذلك؟ هل المكر إلا صرف الغير عما يتصده بحيلة وستر عليه بل ذاك الذي تزعمونه مكرا بنا مكر منا بكم حيث نجعلكم تزعمونه مكرا وتقدمون على المكر بنا، وهذه المزعمة والاقدام ضلال منكم وإضلال منا لكم جزاء بما كسبته أيديكم، وسيأتى نظير هذا المعنى في قوله: (يا أيها الناس انما بغيكم على أنفسكم) الآية 23 من السورة.
وفي الآية التفات من الغيبة إلى الخطاب في قوله: (ان رسلنا يكتبون ما تمكرون) على قراءة تمكرون بتاء الخطاب وهى القراءة المشهورة، وهو من عجيب الالتفات الواقع في القرآن ولعل النكتة فيه تمثيل معنى قوله: (قل الله أسرع مكرا) في العين كأنه تعالى لما قال لنبيه صلى الله عليه وآله وسلم: (قل الله أسرع مكرا) أراد ان يوضحه لهم عيانا ففاجأهم بتجليه لهم دفعة فكلمهم وأوضح لهم السبب في كونه أسرع مكرا ثم حجبهم عن نفسه فعادوا إلى غيبتهم وعاد الكلام إلى حاله، وخوطب النبي صلى الله عليه وآله وسلم ببقية الخطاب: (هو الذي يسيركم) الخ، وهذا من لطيف الالتفات.
قوله تعالى: (هو الذي يسيركم في البر والبحر حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم) إلى آخر الآية، الفلك السفينة وتستعمل مفردا وجمعا، والمراد بها ههنا الجمع بدليل قوله: (وجرين بهم) والريح العاصف: الشديدة الهبوب، وقوله:
(أحيط بهم) كناية عن الاشراف على الهلاك، وتقديره أحاط بهم البلاء أو الأمواج، والإشارة بقوله: (من هذه) إلى الشدة. ومعنى الآية ظاهر.
وفيها من عجيب الالتفات الالتفات من الخطاب إلى الغيبة في قوله: (وجرين بهم بريح طيبة - إلى قوله - بغير الحق) ولعل النكتة فيه ارجاعهم إلى الغيبة وتوجيه الخطاب إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم ووصف أعجب جزء من هذه القصة الموصوفة له ليسمعه ويتعجب منه، ويكون فيه مع ذلك اعراض عن الامر بمخاطبتهم لانهم لا يفقهون القول.
قوله تعالى: (فلما أنجاهم إذا هم يبغون في الأرض بغير الحق) أصل البغى