ودلالة لفظها عليه، وكذا الوجه السابق عليه بالنظر إلى السياق.
قوله تعالى: (ويعبدون من دون الله ما لا يضرهم ولا ينفعهم ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله) إلى آخر الآية، الكلام: موجه نحو عبدة الأصنام من المشركين وإن كان ربما شمل غيرهم كأهل الكتاب بحسب سعة معناه، وذلك لمكان (ما) وكون السورة مكية من أوائل ما نزل على النبي صلى الله عليه وآله وسلم من القرآن.
وقد كانت عبدة الأصنام يعبدون الأصنام ليتقربوا بعبادتها إلى أربابها وبأربابها إلى رب الأرباب وهو الله سبحانه، ويقولون: (إننا على ما بنا من ألواث البشرية المادية وقذارات الذنوب والاثام لا سبيل لنا إلى رب الأرباب لطهارة ساحته وقدسها ولا نسبة بيننا وبينه.
فمن الواجب أن نتقرب إليه بأحب خلائقه إليه وهم أرباب الأصنام الذين فوض الله إليهم أمر تدبير خلقه، ونتقرب إليهم بأصنامهم وتماثيلهم وإنما نعبد الأصنام لتكون شفعاء لنا عند الله لتجلب إلينا الخير وتدفع عنا الشر فتقع العبادة للأصنام حقيقة، والشفاعة لأربابها وربما نسبت إليها.
وقد وضع في الكلام قوله: (ما لا يضرهم ولا ينفعهم) موضع الأصنام للتلويح إلى موضع خطأهم في مزعمتهم، وهو أن هذا السعي إنما كان ينجح منهم لو كانت هذه الأصنام ضارة نافعة في الأمور وكانت ذوات شعور بالعبادة والتقرب حتى ترضى عن عبادها بعبادتهم لها فتشفع أو يشفع أربابها لهم عند الله إن كان الله يرتضى شفاعتهم وهؤلاء أجسام ميتة لا تشعر بشئ ولا تضر ولا تنفع شيئا.
وقد أمر الله سبحانه نبيه صلى الله عليه وآله وسلم أن يحتج على بطلان دعواهم الشفاعة - مضافا إلى ما يلوح إليه قوله: (لا يضرهم ولا ينفعهم) - بقوله: (قل أتنبؤون الله بما لا يعلم في السماوات ولا في الأرض) ومحصله أن الله سبحانه لا علم له بهذه الشفعاء في شئ من السماوات والأرض فدعواكم هذه إخبار منكم إياه بما لا يعلم، وهو من أقبح الافتراء وأشنع المكابرة، وكيف يكون في الوجود شئ لا يعلم به الله وهو يعلم ما في السماوات والأرض؟