وإن كان المراد بالسبق السبق بحسب القضاء فينبغي أن يتبع في ذلك أول كلمة قالها الله تعالى في ضلال الناس وشركهم و معصيتهم، وليست إلا ما قاله عند أول ما أسكن الانسان الأرض وهو ما قدمناه من الآية.
قوله تعالى: (ويقولون لولا أنزل عليه آية من ربه فقل إنما الغيب لله فانتظروا إني معكم من المنتظرين) الآية كقوله قبلها: (ويعبدون من دون الله) وقوله قبله:
(وإذا تتلى عليهم آياتنا) تعد أمورا من مظالم المشركين في أقوالهم وأعمالهم ثم ترد عليها بحجج تلقنها النبي صلى الله عليه وآله وسلم ليقيمها عليهم كما مر في أول الآيات فقوله: (ويقولون لولا أنزل) الخ، عطف على قوله في أول الآيات: (وإذا تتلى عليهم آياتنا).
وفيها مع ذلك عود بعد عود إلى إنكارهم أمر القرآن فإن مرادهم بقولهم:
(لولا أنزل عليه آية من ربه) وإن كان طلب آية أخرى غير القرآن لكنهم إنما قالوه إزراء وتحقيرا لأمر القرآن واستخفافا به لعدم عده آية إلهية والدليل عليه قوله تعالى: (فقل إنما الغيب لله) ولم يقل: (قل) كما قال في سائر الآيات كأنه يقول:
ويطلبون منك آية أخرى غير مكتفين بالقرآن ولا راضين به فإذا لم يكتفوا به آية فقل: إنما الآيات من الغيب المختص بالله وليست بيدي فانتظروا إني معكم من المنتظرين.
فهذا هو المستفاد من الآية وفيها دلالة على أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان ينتظر آية فاصلة بين الحق والباطل غير القرآن قاضية بينه وبين أمته، وسيجئ الوعد الصريح منه بهذه الآية - التي يأمر بانتظارها ههنا - في قوله: (وإما نرينك بعض الذي نعدهم أو نتوفينك فإلينا مرجعهم) يونس: 46 إلى تمام عدة آيات.
قوله تعالى: (وإذا أذقنا الناس رحمة من بعد ضراء مستهم إذا لهم مكر في آياتنا) إلى آخر الآية مضمون الآية وإن كان من المعاني العامة الجارية في أغلب الناس في أكثر الأوقات فإن الفرد من الانسان لا يخلو عن أن يمسه سراء بعد ضراء بل قلما يتفق أن لا يتكرر في حقه ذلك لكن الآية من جهة السياق المتقدم كأنها مسوقة للتعريض للمشركين ومكرهم في آيات الله، والدليل عليه قوله: (قل الله أسرع مكرا) فقد كان النظر معطوفا على مكر طائفة خاصة وهم المخاطبون بهذه الآيات