حيث كانوا يمكرون بآيات السراء والضراء بعد ظهورها، ومن مكرهم مكرهم في القرآن الذي هو آية إلهية ورحمة أذاقهم الله إياها بعد ضراء الجهالة العالقة بهم وشمول ضنك العيش والذلة والتفرقة وتباعد القلوب وبغضائها لهم وهم يمكرون به فتارة يقولون: (ائت بقرآن غير هذا أو بدله) وتارة يقولون: (لولا أنزل عليه آية من ربه).
فالآية تبين لهم أن هذا كله مكر يمكرونه في آيات الله، وتبين لهم أن المكر بآيات الله لا يعقب إلا السوء من غير أن ينفعهم شيئا فإن الله أسرع مكرا يأخذهم مكره قبل أن يأخذ مكرهم آياته فإن مكرهم بآيات الله عين مكر الله بهم.
فمعنى الآية: (وإذا أذقنا الناس) عبر عن الإصابة بالإذاقة للايماء إلى التذاذهم بالرحمة وعناية بالقلة فإن الذوق يستعمل في القليل من التغذي (رحمة من بعد ضراء مستهم) والتعبير بالرحمة في موضع السراء للإشارة إلى أنها من الرحمة الإلهية من غير أن يستوجبوا ذلك فكان من الواجب عليهم أن يقوموا بحقه، ويخضعوا لما تدعو إليه الآية وهو توحيد ربهم وشكر نعمته لكنهم يفاجئون بغير ذلك (إذا لهم مكر في آياتنا) كتوجيه الحوادث بما تبطل به دلالة الآيات كقولهم قد مس آباءنا السراء والضراء، والاعتذار بما لا يرتضيه الله كقولهم: (لولا أنزل عليه آية) وقولهم:
(إن نتبع الهدى معك نتخطف من أرضنا).
فأمر الله نبيه صلى الله عليه وآله وسلم ان يجيبهم بقوله: (قل الله أسرع مكرا) ثم علله بقوله: (ان رسلنا يكتبون ما تمكرون) فلنا عليكم شهداء رقباء أرسلناهم إليكم يكتبون أعمالكم ويحفظونها، وبمجرد ما عملتم عملا حفظ عليكم وتعين جزاؤه لكم قبل ان يؤثر مكركم اثره أو لا يؤثر كما فسروه.
وهنا شئ وهو أن الظاهر من قوله تعالى: (هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون) الجاثية: 29 على ما سيجئ من البيان في تفسير الآية أن شاء الله تعالى ان معنى كتابة الملائكة اعمال العباد هو اخراجهم الأعمال من كمون الاستعدادات إلى مرحلة الفعلية الخارجية ورسم نفس الأعمال في صحيفة الكون وبذلك تنجلي عليه كتابة الرسل لاعمالهم لكونه تعالى أسرع مكرا تمام الانجلاء فان حقيقة المعنى على هذا: أنا نحن نخرج أعمالكم التي تمكرون بها من