تتمتعون متاع الحياة الدنيا، وبالرفع في قراءة غيره وهو خبر لمبتدء محذوف، والتقدير هو أي بغيكم وعملكم متاع الحياة الدنيا.
وعلى كلتا القراءتين فقوله: (متاع الحياة الدنيا) إلى آخر الآية، تفصيل لاجمال قوله: (انما بغيكم على أنفسكم) فقوله (متاع) الخ، في مقام التعليل بالنسبة إلى كون بغيهم على أنفسهم من قبيل تعليل الاجمال بالتفصيل وبيانه به.
قوله تعالى: (انما مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض) إلى آخر الآية، لما ذكر سبحانه في الآية السابقة متاع الحياة الدنيا مثل له بهذا المثل يصف فيه من حقيقة امره ما يعتبر به المعتبرون، وهو من الاستعارة التمثيلية وليس من تشبيه المفرد بالمفرد من شئ وان اوهم ذلك قوله: (كماء أنزلناه) ابتداء، ونظائره شائعة في أمثال القرآن، والزخرف الزينة والبهجة، وقوله:
(لم تغن) من غنى في المكان إذا أقام فيه فأطال المقام، والباقي ظاهر.
قوله تعالى: (والله يدعوا إلى دار السلام ويهدى من يشاء إلى صراط مستقيم) الدعاء والدعوة عطف نظر المدعو إلى ما يدعى إليه وجلب توجهه وهو أعم من النداء فان النداء يختص بباب اللفظ والصوت، والدعاء يكون باللفظ والإشارة وغيرهما، والنداء انما يكون بالجهر ولا يقيد به الدعاء.
والدعاء في الله سبحانه تكويني وهو ايجاد ما يريده لشئ كأنه يدعوه إلى ما يريده، قال تعالى: (يوم يدعوكم فتستجيبون بحمده) اسرى: 52 أي يدعوكم إلى الحياة الأخروية فتستجيبون إلى قبولها، وتشريعي وهو تكليف الناس بما يريده من دين بلسان آياته، والدعاء من العبد لربه عطف رحمته وعنايته إلى نفسه بنصب نفسه في مقام العبودية والمملوكية، ولذا كانت العبادة في الحقيقة دعاء لان العبد ينصب فيها نفسه في مقام المملوكية والاتصال بمولاه بالتبعية والذلة ليعطفه بمولويته وربوبيته إلى نفسه وهو الدعاء.
وإلى ذلك يشير قوله تعالى: (وقال ربكم ادعوني استجب لكم ان الذين