بينهم ولولا كلمة سبقت من ربك إلى أجل مسمى لقضى بينهم) الشورى: 14 إلى غير ذلك من الآيات.
وسياق الآية السابقة أعني قوله تعالى: (ويعبدون من دون الله ما لا يضرهم ولا ينفعهم) الخ، لا يناسب من الاختلافين المذكورين إلا الاختلاف الثاني وهو الاختلاف في نفس الدين لأنها تذكر ركوب الناس طريق الضلال بعبادتهم ما لا يضرهم ولا ينفعهم واتخاذهم شفعاء عند الله، ومقتضى ذلك أن يكون المراد من كون الناس سابقا أمة واحدة كونهم على دين واحد وهو دين التوحيد ثم اختلفوا فتفرقوا فريقين موحد ومشرك.
فذكر الله فيها أن اختلافهم كان يقضى أن يحكم الله بينهم باظهار الحق على الباطل وفيه هلاك المبطلين وإنجاء المحقين لكن السابق من الكلمة الإلهية منعت من القضاء بينهم، والكلمة هي قوله تعالى لما أهبط الانسان إلى الدنيا: (ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين) البقرة: 36.
وللمفسرين في الآية أقوال عجيبة منها: أن المراد بالناس هم العرب كانوا على دين واحد حق وهو دين إبراهيم عليه السلام إلى زمن عمرو بن لحى الذي زوج بينهم الوثنية فانقسموا إلى حنفاء مسلمين، وعبدة أصنام مشركين، وأنت خبير أنه لا دليل عليه من جهة اللفظ البتة.
ومنها: أن المراد بالناس جميعهم، والمراد من كونهم أمة واحدة كونهم على فطرة الاسلام وإن كانوا مختلفين دائما، فلفظة (كان) منسلخ الزمان، والآية تحكى عما عليه الناس بحسب الطبع وهو التوحيد، وما هم عليه بحسب الفعلية وهو الاختلاف فليس الناس بحسب الطبع الفطري إلا أمة واحدة موحدين لكنهم اختلفوا على خلاف فطرتهم.
وفيه أنه خلاف ظاهر الآية والآية التي في سورة البقرة، وكذا ظاهر سائر الآيات كقوله: (وما تفرقوا إلا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم) الشورى: 14 وقوله: (وما اختلف الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم) آل عمران: 19.