فالاستفهام إنكاري، ونفى العلم بوجود الشفعاء كناية عن نفى وجودها، ولعل اختيار هذا التعبير لكون الشفاعة مما يتقوم بالعلم لذاته فإن الشفاعة إنما تتحقق إذا كان المشفوع عنده عالما بوجود الشافع وشفاعته فإذا فرض أنه لا يعلم بالشفعاء فكيف تتحقق الشفاعة عنده وهو لا يعلم.
وقوله: (سبحانه وتعالى عما يشركون) كلمة تنزيه، وهى من كلام الله وليست مقولة قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم فان ظرف المشركين بالنسبة إليه هو الخطاب دون الغيبة فلو كان من كلام النبي صلى الله عليه وآله وسلم لقيل: عما تشركون بالخطاب.
قوله تعالى: (وما كان الناس إلا أمة واحدة فاختلفوا) قد تقدم في تفسير قوله تعالى: (كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه وما اختلف فيه إلا الذين أوتوه من بعد ما جاءتهم البينات بغيا بينهم) البقرة: 213 أن الآية تكشف عن نوعين من الاختلاف بين الناس.
أحدهما: الاختلاف من حيث المعاش وهو الذي يرجع إلى الدعاوى وينقسم به الناس إلى مدع ومدعى عليه وظالم ومظلوم ومتعد ومتعدي عليه وآخذ بحقه وضائع حقه، وهذا هو الذي رفعه الله سبحانه بوضع الدين وبعث النبيين وإنزال الكتاب معهم ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه، ويعلمهم معارف الدين ويواجههم بالانذار والتبشير.
وثانيهما: الاختلاف في نفس الدين وما تضمنه الكتاب الإلهي من المعارف الحقة من الأصول والفروع، وقد صرح القرآن في مواضع من آياته أن هذا النوع من الاختلاف ينتهى إلى علماء الكتاب بغيا بينهم، وليس مما يقتضيه طباع الانسان كالقسم الأول، وبذلك ينقسم الطريق إلى طريقي الهداية والضلال فهدى الله الذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحق، وقد ذكر سبحانه في مواضع من كلامه بعد ذكر هذا القسم من الاختلاف أنه لولا قضاء من الله سبق لحكم بينهم فيما اختلفوا فيه ولكن يؤخرهم إلى أجل، قال تعالى: (وما تفرقوا إلا من بعد ما جاءهم العلم بغيا