وأبو الشيخ عن مجاهد قال: لما نزلت " بلغ ما انزل إليك من ربك " قال: يا رب إنما أنا واحد كيف أصنع؟ يجتمع على الناس فنزلت " وإن لم تفعل فما بلغت رسالته ".
وفيها عن الحسن: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن الله بعثني برسالته فضقت بها ذرعا، وعرفت أن الناس مكذبي فوعدني لأبلغن أو ليعذبني فأنزل: " يا أيها الرسول بلغ ما انزل إليك من ربك ".
أقول: الروايتان على ما فيهما من القطع والارسال فيهما ما في سابقتهما، ونظيرتهما في هذا التشويش بعض ما ورد في أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يحترس برجال فلما نزلت الآية فرقهم وقال عليه السلام: إن ربى وعدني أن يعصمني.
وفى تفسير المنار: روى أهل التفسير المأثور والترمذي وأبو الشيخ والحاكم وأبو نعيم والبيهقي والطبراني عن بضعة رجال من الصحابة: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحرس في مكة قبل نزول هذه الآية فلما نزلت ترك الحرس، وكان أبو طالب أول الناس اهتماما بحراسته، وحرسه العباس أيضا.
وفيه ومما روى في ذلك عن جابر وابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحرس، وكان يرسل معه عمه أبو طالب كل يوم رجالا من بنى هاشم حتى نزلت الآية فقال: يا عم إن الله قد عصمني لا حاجة لي إلى من يبعث.
أقول: والروايتان - كما ترى - تدلان على أن الآية نزلت في أواسط إقامة النبي صلى الله عليه وآله وسلم بمكة وانه صلى الله عليه وآله وسلم بلغ رسالته زمانا واشتد عليه أمر إيذاء الناس وتكذيبهم حتى خاف على نفسه منهم فترك التبليغ والدعوة فامر ثانيا بالتبليغ، وهدد من جانب الله سبحانه، ووعد بالعصمة، فاشتغل ثانيا بما كان يشتغل به اولا، وهذا شئ يجل عنه ساحة النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
وفى الدر المنثور وفتح القدير: أخرج عبد بن حميد والترمذي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ والحاكم وابن مردويه وأبو نعيم والبيهقي كلاهما في الدلائل عن عائشة قالت: كان رسول الله يحرس حتى نزلت: " والله يعصمك من الناس " فأخرج رأسه من القبة فقال: أيها الناس انصرفوا فقد عصمني الله.
أقول: والرواية - كما ترى - ظاهرة في نزولها بالمدينة.