قوله تعالى ذلك لمن خشى العنت منكم العنت الجهد والشدة والهلاك وكأن المراد به الزنا الذي هو نتيجة وقوع الانسان في مشقة الشبق وجهد شهوة النكاح وفيه هلاك الانسان والإشارة على ما قيل إلى نكاح الجواري المذكور في الآية وعليه فمعنى قوله وأن تصبروا خير لكم أن تصبروا عن نكاح الإماء أو عن الزنا خير لكم ويمكن أن يكون ذلك إشارة إلى وجوب نكاح الإماء أو وجوب مطلق النكاح لو استفيد شئ منهما من سابق سياق الآية والله أعلم.
وكيف كان فكون الصبر خيرا إن كان المراد هو الصبر عن نكاح الإماء إنما هو لما فيه من حقوق مواليهن وفي أولادهن على ما فصل في الفقه وإن كان المراد الصبر عن الزنا إنما هو لما في الصبر من تهذيب النفس وتهيئة ملكة التقوى فيها بترك اتباع هواها في الزنا من غير ازدواج أو معه والله غفور رحيم يمحو بمغفرته آثار خطرات السوء عن نفوس المتقين من عباده ويرحمهم برحمته.
قوله تعالى يريد الله ليبين لكم إلى آخر الآية بيان وإشارة إلى غاية تشريع ما سبق من الاحكام في الآيات الثلاث والمصالح التي تترتب عليها إذا عمل بها فقوله يريد الله ليبين لكم أي أحكام دينه مما فيه صلاح دنياكم وعقباكم وما في ذلك من المعارف والحكم وعلى هذا فمعمول قوله يبين محذوف للدلالة على فخامة أمره وعظم شأنه ويمكن أن يكون قوله يبين لكم وقوله ويهديكم متنازعين في قوله سنن الذين.
قوله تعالى ويهديكم سنن الذين من قبلكم أي طرق حياة السابقين من الأنبياء والأمم الصالحة الجارين في الحياة الدنيا على مرضاة الله الحائزين به سعادة الدنيا والآخرة والمراد بسننهم على هذا المعنى سننهم في الجملة لا سننهم بتفاصيلها وجميع خصوصياتها فلا يرد عليه أن من احكامهم ما تنسخه هذه الآيات بعينها كازدواج الاخوة بالأخوات في سنة آدم والجمع بين الأختين في سنة يعقوب عليه السلام وقد جمع عليه السلام بين الأختين ليا أم يهودا وراحيل أم يوسف على ما في بعض الاخبار هذا.
وهنا معنى آخر قيل به وهو أن المراد الهداية إلى سنن جميع السابقين سواء كانوا على الحق أو على الباطل يعني أنا بينا لكم جميع السنن السابقة من حق وباطل لتكونوا على بصيرة فتأخذوا بالحق منها وتدعوا الباطل.