من قوله ما وراء ذلكم يتبين به الطريق المشروع في نيل النساء ومباشرتهن وذلك أن الذي يشمله قوله وأحل لكم ما وراء ذلكم من المصداق ثلاثة النكاح وملك اليمين والسفاح وهو الزنا فبين بقوله أن تبتغوا بأموالكم الخ المنع عن السفاح وقصر الحل في النكاح وملك اليمين ثم اعتبر الابتغاء بالأموال وهو في النكاح المهر والأجرة ركن من أركانه وفي ملك اليمين الثمن وهو الطريق الغالب في تملك الإماء فيؤول معنى الآية إلى مثل قولنا أحل لكم فيما سوى الأصناف المعدودة أن تطلبوا مباشرة النساء ونيلهن بإنفاق أموالكم في اجرة المنكوحات من النساء نكاحا من غير سفاح أو انفاقها في ثمن الجواري والإماء.
ومن هنا يظهر أن المراد بالاحصان في قوله محصنين غير مسافحين إحصان العفة دون إحصان التزوج وإحصان الحرية فإن المراد بابتغاء الأموال في الآية أعم مما يتعلق بالنكاح أو بملك اليمين ولا دليل على قصرها في النكاح حتى يحمل الاحصان على إحصان التزوج وليس المراد بإحصان العفة الاحتراز عن مباشرة النساء حتى ينافي المورد بل ما يقابل السفاح أعني التعدي إلى الفحشاء بأي وجه كان بقصر النفس في ما أحل الله وكفها عما حرم الله من الطرق العادية في التمتع المباشري الذي اودع النزوع إليه في جبلة الانسان وفطرته.
وبما قدمناه يظهر فساد ما ذكره بعضهم أن قوله أن تبتغوا بأموالكم بتقدير لام الغاية أو ما يؤدي معناها والتقدير لتبتغوا أو إرادة أن تبتغوا.
وذلك أن مضمون قوله أن تبتغوا بوجه عين ما أريد بقوله ما وراء ذلكم لا أنه أمر مترتب عليه مقصود لأجله وهو ظاهر.
وكذا ما يظهر من كلام بعضهم أن المراد بالمسافحة مطلق سفح الماء وصبه من غير أن يقصد به الغاية التي وضع الله سبحانه هذه الداعية الشهوية الفطرية في الانسان لاجلها وهي غرض تكوين البيت وإيجاد النسل والولد وبالمقابلة يكون الاحصان هو الازدواج الدائم الذي يكون الغرض منه التوالد والتناسل هذا.
وإني لست أرى هذا القائل إلا أنه اختلط عليه طريق البحث فخلط البحث في ملاك الحكم المسمى بحكمة التشريع بالبحث عن نفس الحكم فلزمه ما لا يسعه الالتزام به من اللوازم.