فمن لم يجد منكم طولا الخ.
على أن الآية بلفظها لا تأبى عن الحمل على مطلق النكاح الشامل للدائم والمنقطع كما سيتضح بالكلام على بقية فقراتها.
قوله تعالى والله أعلم بإيمانكم بعضكم من بعض لما كان الايمان المأخوذ في متعلق الحكم أمرا قلبيا لا سبيل إلى العلم بحقيقته بحسب الأسباب وربما أوهم تعليقا بالمتعذر أو المتعسر وأوجب تحرج المكلفين منه بين تعالى أنه هو العالم بإيمان عباده المؤمنين وهو كناية عن أنهم إنما كلفوا الجري على الأسباب الظاهرية الدالة على الايمان كالشهادتين والدخول في جماعة المسلمين والآتيان بالوظائف العامة الدينية فظاهر الايمان هو الملاك دون باطنه.
وفي هداية هؤلاء المكلفين غير المستطيعين إلى الازدواج بالإماء نقص وقصور آخر في الوقوع موقع التأثير والقبول وهو أن عامة الناس يرون لطبقة المملوكين من العبيد والإماء هوانا في الامر وخسة في الشأن ونوع ذلة وانكسار فيوجب ذلك انقباضهم وجماح نفوسهم من الاختلاط بهم والمعاشرة معهم وخاصة بالازدواج الذي هو اشتراك حيوي وامتزاج باللحم والدم.
فأشار سبحانه بقوله بعضكم من بعض إلى حقيقة صريحة يندفع بالتأمل فيها هذا التوهم الفاسد فالرقيق إنسان كما أن الحر إنسان لا يتميزان في ما به يصير الانسان واجدا لشؤون الانسانية وإنما يفترقان بسلسلة من أحكام موضوعة يستقيم بها المجتمع الانساني في إنتاجه سعادة الناس ولا عبرة بهذه التميزات عند الله والذي به العبرة هو التقوى الذي به الكرامة عند الله فلا ينبغي للمؤمنين أن ينفعلوا عن أمثال هذه الخطرات الوهمية التي تبعدهم عن حقائق المعارف المتضمنة سعادتهم وفلاحهم فإن الخروج عن مستوى الطريق المستقيم وإن كان حقيرا في بادي أمره لكنه لا يزال يبعد الانسان من صراط الهداية حتى يورده أودية الهلكة.
ومن هنا يظهر أن الترتيب الواقع في صدر الآية في صورة الاشتراط والتنزل أعني قوله ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات فمما ملكت أيمانكم إنما هو جرى في الكلام على مجرى الطبع والعادة وليس إلزاما للمؤمنين