يقال: واعلم أن الله على كل شئ قدير لا بقوله: واعلم أن الله عزيز حكيم، على ما هو المعهود من دأب القرآن الكريم فإن المناسب للسؤال المذكور هو صفة القدرة دون صفتي العزة والحكمة فإن العزة والحكمة - وهما وجدان الذات كل ما تفقده وتستحقه الأشياء واحكامه في امره - انما ترتبطان بإفاضة الحياة لا استفاضة المادة لها فافهم ذلك.
ومما ذكرنا يظهر فساد ما ذكره بعض المفسرين: ان إبراهيم عليه السلام إنما سأل بقوله: رب أرني حصول العلم بكيفية حصول الاحياء دون مشاهدة كيفية الاحياء، وأن الذي أجيب به في الآية لا يدل على أزيد من ذلك، قال: ما محصله: انه ليس في الكلام ما يدل على أن الله سبحانه امره بالاحياء، ولا ان إبراهيم عليه السلام فعل ما أمره به، فما كل أمر يقصد به الامتثال، فإن من الخبر ما يأتي بصورة الانشاء كما إذا سألك سائل كيف يصنع الحبر مثلا؟ فتقول: خذ كذا وكذا وافعل به كذا وكذا يكن حبرا تريد ان هذه كيفيته، ولا تريد به ان تأمره ان يصنع الحبر بالفعل.
قال: وفي القرآن شئ كثير مما ورد فيه الخبر في صورة الامر، والكلام هيهنا مثل لاحياء الموتى، ومعناه خذ أربعة من الطير فضمها إليك وآنسها بك حتى تأنس وتصير بحيث تجيب دعوتك إذا دعوتها، فإن الطيور من أشد الحيوان استعدادا لذلك، ثم اجعل كل واحد منها على جبل ثم ادعها فإنها تسرع إليك من غير أن يمنعها تفرق أمكنتها وبعدها، كذلك أمر ربك إذا أراد إحياء الموتى يدعوهم بكلمة التكوين: كونوا أحياء، فيكونون احياء كما كان شأنه في بدء الخلقة، ذلك إذ قال للسموات والأرض ائتيا طوعا أو كرها قالتا: أتينا طائعين.
قال: والدليل على ذلك من الآية قوله تعالى: فصرهن فإن معناه أملهن أي أوجد ميلها إليك وانسها بك، ويشهد به تعديته بإلى فإن صار إذا تعدى بإلى كان بمعنى الإمالة، وما ذكره المفسرون من كونه بمعنى التقطيع أي قطعهن أجزاءا بعد الذبح لا يساعد عليه تعديته بإلى، واما ما قيل: إن قوله: إليك متعلق بقوله: فخذ دون قوله: فصرهن والمعنى: خذ إليك أربعة من الطير فقطعهن فخلاف ظاهر الكلام.
وثانيا: ان الظاهر: ان ضمائر فصرهن ومنهن وادعهن ويأتينك جميعا راجعة