لامره، بل نبيا مكلما فإن ظاهر قوله: أعلم أن الله، أنه بعد تبين الامر له رجع إلى ما لم يزل يعلمه من قدرة الله المطلقة، وظاهر قوله تعالى: ثم بعثه قال كم لبثت، أنه كان مأنوسا بالوحي والتكليم، وأن هذا لم يكن أول وحي يوحى إليه وإلا كان حق الكلام أن يقال: فلما بعثه قال " الخ " أو ما يشبهه كقوله تعالى في موسى عليه السلام:
" فلما أتاها نودي يا موسى إني أنا ربك " طه - 12، وقوله تعالى فيه أيضا: " فلما أتاها نودي من شاطئ الوادي الأيمن " القصص - 30.
وكيف كان فقد كان عليه السلام خرج من داره قاصدا مكانا بعيدا عن قريته التي كان بها، والدليل عليه خروجه مع حمار يركبه، وحمله طعاما وشرابا يتغذى بهما، فلما سار إلى ما كان يقصده مر بالقرية التي ذكر الله تعالى أنها كانت خاوية على عروشها، ولم يكن قاصدا نفس القرية، وإنما مر بها مرورا ثم وقف معتبرا بما يشاهده من أمر القرية الخربة التي كان قد أبيد أهلها وشملتهم نازلة الموت وعظامهم الرميمة بمرئى ومنظر منه عليه السلام، فإنه يشير إلى الموتى بقوله، أنى يحيي هذه الله، ولو كان مراده بذلك عمران نفس القرية بعد خرابها والإشارة إلى نفس القرية لكان حق الكلام أن يقال: انى يعمر هذه الله. على أن القرية الخربة ليس من المترقب عمرانها بعد خرابها، ولا ان عمرانها بعد الخراب مما يستعظم عادة، ولو كانت الأموات المشار إليهم مقبورين وقد اعتبر بمقابرهم لكان من اللازم ذكره والصفح عن ذكر نفس القرية على ما يليق بأبلغ الكلام.
ثم إنه تعمق في الاعتبار فهاله ما شاهده منها فاستعظم طول مدة مكثها مع ما يصاحبه من تحولها من ما يصاحبه من تحولها من حال إلى حال، وتطورها من صورة إلى صورة بحيث يصير الأصل نسيا منسيا، وعند ذلك قال: انى يحيى هذه الله، وقد كان هذا الكلام ينحل إلى جهتين: " إحديهما ": استعظام طول المدة والاحياء مع ذلك، " والثانية ":
استعظام رجوع الاجزاء إلى صورتها الأولى الفانية بعد عروض هذه التغيرات غير المحصورة، فبين الله له الامر من الجهتين جميعا: أما من الجهة الأولى فإماتته ثم إحيائه وسؤاله وأما من الجهة الثانية فبإحياء العظام بمنظر ومرئي منه.
فأماته الله مأة عام ثم بعثه، وقد كان الإماتة والاحياء في وقتين مختلفين من النهار كما مر ذكره، قال كم لبثت، قال لبثت يوما أو بعض يوم نظرا إلى اختلاف