عن اتصال باطني بقوة الهية غير مغلوبة وقدرة غير متناهية هي المؤثرة الفاعلة بالحقيقة.
وعن الرابع: ان التراخي المدلول عليه بقوله: ثم كما يناسب معنى التربية والتأنيس كما ذكروه يناسب معنى التقطيع وتفريق الاجزاء ووضعها على الجبال كما هو ظاهر.
وعن الخامس: ان الاشكال مقلوب عليهم فإن الذي ذكروه هوان الله انما بين كيفية الاحياء لإبراهيم بالبيان العلمي النظري دون الشهودي، فيرد عليهم ان المناسب حينئذ ختم الآية بصفة القدرة دون العزة والحكمة، وقد عرفت مما قدمنا ان الأنسب على ما بيناه من معنى الآية هو الختم بالاسمين: العزيز الحكيم كما في الآية.
ويظهر مما ذكرنا أيضا فساد ما ذكره بعض آخر من المفسرين: ان المراد بالسؤال في الآية إنما هو السؤال عن اشهاد كيفية الاحياء بمعنى كيفية قبول الاجزاء صورة الحياة.
قال: ما محصله: ان السؤال لم يكن في أمر ديني - والعياذ بالله - ولكنه سؤال عن كيفية الاحياء ليحيط علما بها، وكيفية الاحياء لا يشترط في الايمان الإحاطة بصورتها فإبراهيم عليه السلام طلب علم لا يتوقف الايمان على علمه، ويدل على ذلك ورود السؤال بصيغة كيف، وموضوعها السؤال عن الحال، ونظير هذا ان يقول القائل: كيف يحكم زيد في الناس، فهو لا يشك انه يحكم فيهم، ولكنه سأل عن كيفية حكمه المعلوم ثبوته، ولو كان سائلا عن ثبوت ذلك لقال: أيحكم زيد في الناس، وانما جاء التقرير أعني قوله: أو لم تؤمن، بعده لان تلك الصيغة وإن كانت تستعمل ظاهرا في السؤال عن الكيفية كما علمت الا انها قد تستعمل أيضا في الاستعجاز كما إذا ادعى مدع: انه يحمل ثقلا من الأثقال وأنت تعلم بعجزه عن حمله فتقول له: أرني كيف تحمل هذا تريد انك عاجز عن حمله، والله سبحانه لما علم براءة إبراهيم عليه السلام عن الحوم حول هذا الحمى أراد ان ينطقه في الجواب بما يدفع عنه ذلك الاحتمال اللفظي في العبارة الأولى لكون ايمانه مخلصا بعبارة تنص عليه بحيث يفهمها كل من سمعها فهما لا يتخالجه فيه شك، ومعنى الطمأنينة حينئذ سكون القلب عن الجولان في كيفيات الاحياء المحتملة بظهور التصوير المشاهد، وعدم حصول هذه الطمأنينة قبل لا ينافي حصول الايمان بالقدرة