والأمور غير التكوينية من الاعتبارات الاجتماعية وغيرها على هذا الوصف أيضا من حيث إنها نتائج الفطرة المتكئة على التكوين، فالشؤون الاجتماعية والمقامات التي فيه والافعال التي تصدر عنها كل منها مرتبط بآثار وغايات لا تتولد منه إلا تلك الآثار والغايات ولا تتولد هي إلا منه فالتربية الصالحة لا تتحقق إلا من مرب صالح والمربي الفاسد لا يترتب على تربيته، إلا الأثر الفاسد (ذاك الفساد المكمون في نفسه) وإن تظاهر بالصلاح ولازم الطريق المستقيم في تربيته، وضرب على الفساد المطوي في نفسه بمأة ستر واحتجب دونه بألف حجاب، وكذلك الحاكم المتغلب في حكومته، والقاضي الواثب على مسند القضاء بغير لياقة في قضائه، وكل من تقلد منصبا اجتماعيا من غير طريقه المشروع، وكذلك كل فعل باطل بوجه من وجوه البطلان إذا تشبه بالحق وحل بذلك محل الفعل الحق، والقول الباطل إذا وضع موضع القول الحق كالخيانة موضع الأمانة والإسائة موضع الاحسان والمكر موضع النصح والكذب موضع الصدق فكل ذلك سيظهر أثرها ويقطع دابرها وإن اشتبه أمرها اياما، وتلبس بلباس الصدق والحق أحيانا، سنة الله التي جرت في خلقه ولن تجد لسنة الله تحويلا ولن تجد لسنة الله تبديلا.
فالحق لا يموت ولا يتزلزل أثره، وإن خفي على ادراك المدركين أويقات، والباطل لا يثبت ولا يبقى أثره، وإن كان ربما اشتبه أمره ووباله، قال تعالى: " ليحق الحق ويبطل الباطل " الأنفال - 8، من تحقيق الحق تثبيت أثره، ومن إبطال الباطل ظهور فساده وانتزاع ما تلبس به من لباس الحق بالتشبه والتمويه، وقال تعالى: " ألم تر كيف ضرب الله مثلا كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي اكلها كل حين بإذن ربها ويضرب الله الأمثال للناس لعلهم يتذكرون ومثل كلمة خبيثة كشجرة خبيثة اجتثت من فوق الأرض مالها من قرار يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ويضل الله الظالمين ويفعل الله ما يشاء " إبراهيم - 27، وقد أطلق الظالمين فالله يضلهم في شأنهم، ولا شأن لهم إلا أنهم يريدون آثار الحق من غير طريقها أعني: من طريق الباطل كما قال تعالى - حكاية عن يوسف الصديق:
" قال معاذ الله إنه ربي أحسن مثواي إنه لا يفلح الظالمون " يوسف - 23، فالظالم لا يفلح في ظلمه، ولا أن ظلمه يهديه إلى ما يهتدي إليه المحسن بإحسانه والمتقي بتقواه، قال