على أن المناسب لبيان الكيفية ختم الآية بصفة القدرة لا بصفتي العزة والحكمة كما في قوله تعالى: " ومن آياته انك ترى الأرض خاشعة فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت ان الذي أحياها لمحيي الموتى انه على كل شئ قدير " فصلت - 39، فالآية كما ترى في مقام بيان الكيفية وقد ختمت بصفة القدرة المطلقة، ونظيره قوله تعالى: " أو لم يروا ان الله الذي خلق السماوات والأرض ولم يعي بخلقهن بقادر على أن يحيي الموتى بلى انه على كل شئ قدير " الأحقاف - 33، ففيه أيضا بيان الكيفية بإرائة الأمثال ثم ختم الكلام بصفة القدرة.
قوله تعالى: قال: أو لم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي، بلى كلمة يرد به النفي ولذلك ينقلب به النفي إثباتا كقوله تعالى: " ألست بربكم قالوا بلى " الأعراف - 172، ولو قالوا نعم لكان كفرا، والطمأنينة والاطمينان سكون النفس بعد انزعاجها واضطرابها، وهو مأخوذ من قولهم: اطمأنت الأرض وارض مطمئنة إذا كانت فيه انخفاض يستقر فيها الماء إذا سال إليها والحجر إذا هبط إليها.
وقد قال تعالى: أو لم تؤمن، ولم يقل: ألم تؤمن للاشعار بأن للسؤال والطلب محلا لكنه لا ينبغي ان يقارن عدم الايمان بالاحياء: ولو قيل: ألم تؤمن دل على أن المتكلم تلقى السؤال منبعثا عن عدم الايمان، فكان عتابا وردعا عن مثل هذا السؤال، وذلك أن الواو للجميع، فكان الاستفهام معه استفهاما عن أن هذا السؤال هل يقارنه عدم الايمان، لا استفهاما عن وجه السؤال حتى ينتج عتابا وردعا.
والايمان مطلق في كلامه تعالى، وفيه دلالة على أن الايمان بالله سبحانه لا يتحقق مع الشك في أمر الاحياء والبعث، ولا ينافي ذلك اختصاص المورد بالاحياء لان المورد لا يوجب تخصيص عموم اللفظ ولا تقييد إطلاقه.
وكذا قوله تعالى حكاية عنه عليه السلام: ليطمئن قلبي، مطلق يدل على كون مطلوبه عليه السلام من هذا السؤال حصول الاطمينان المطلق وقطع منابت كل خطور قلبي واعراقه، فإن الوهم في إدراكاتها الجزئية واحكامها لما كانت معتكفة على باب الحس وكان جل أحكامها وتصديقاتها في المدركات التي تتلقاها من طريق الحواس فهي تنقبض عن مطاوعة ما صدقه العقل، وإن كانت النفس مؤمنة موقنة به، كما في الاحكام الكلية