الوقتين، وقد كان موته في الطرف المقدم من النهار وبعثه في الطرف المؤخر منه ولو كان بالعكس من ذلك لقال: لبثت يوما من غير ترديد، فرد الله سبحانه عليه وقال:
بل لبثت مأة عام، فرأى من نفسه أنه شاهد مأة سنة كيوم أو بعض يوم، فكان فيه ما استعظمه من طول المكث.
ثم استشهد تعالى على قوله: بل لبثت مأة عام بقوله: فانظر إلى طعامك وشرابك لم يتسنه وانظر إلى حمارك! وذلك: أن قوله: لبثت يوما أو بعض يوم يدل على أنه لم يحس بشئ من طول المدة وقصره، وإنما استدل على ما ذكره بما شاهد من حال النهار من شمس أو ظل ونحوهما، فلما أجيب بقوله تعالى: بل لبثت مأة عام كان الجواب في مظنة أن يرتاب فيه من جهة ما كان يشاهد نفسه ولم يتغير شئ من هيئة بدنه، والانسان إذا مات ومضى عليه مأة سنة على طولها تغير لا محالة بدنه عما هو عليه من النضارة والطراوة وكان ترابا وعظاما رميمة، فدفع الله تعالى هذا الذي يمكن وأن يخطر بباله بأمره ان ينظر إلى طعامه وشرابه لم يتغير شئ منهما عما كان عليه وأن ينظر إلى الحمار وقد صار عظاما رميمة، فحال الحمار يدل على طول مدة المكث وحال الطعام والشراب يدل على إمكان ان يبقى طول هذه المدة على حال واحد من غير أن يتغير شئ من هيئته عما هي عليه.
ومن هنا يظهر ان الحمار أيضا قد أميت وكان رميما وكأن السكوت عن ذكر إماتته معه لما عليه القرآن من الأدب البارع.
وبالجملة تم عند ذلك البيان الإلهي: ان استعظامه طول المدة قد كان في غير محله حيث اخذ الله منه الاعتراف بأن مأة سنة - مدة لبثه - كيوم أو بعض يوم كما يأخذ اعتراف أهل الجمع يوم القيامة بمثل ما اعترف به، فبين له ان تخلل الزمان بين الإماتة والاحياء بالطول والقصر لا يؤثر في قدرته الحاكمة على كل شئ، فليست قدرة مادية زمانية حتى يتخلف حالها بعروض تغيرات أقل أو أزيد على المحل، فيكون إحياء الموتى القديمة أصعب عليه من إحياء الموتى الجديدة، بل البعيد عنده كالقريب من غير فرق كما قال تعالى: " إنهم يرونه بعيدا ونراه قريبا " المعارج - 7، وقال تعالى:
" وما أمر الساعة إلا كلمح البصر " النحل - 77.
ثم قال تعالى: ولنجعلك آية للناس، عطف الغاية يدل على أن هناك غيرها من