ولما ذكرناه من النكتة ترى أنه تعالى يذكر أمر الاحياء والإماتة في غالب الموارد من كلامه بما لا يخلو من الاستهانة والاستصغار، قال تعالى: " وهو الذي يبدؤ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه وله المثل الاعلى في السماوات والأرض وهو العزيز الحكيم " الروم - 27، وقال تعالى: " قال رب أنى يكون لي غلام - إلى قوله -: قال ربك هو على هين وقد خلقتك من قبل ولم تك شيئا " مريم - 9.
قوله تعالى: قال أنى يحيي هذه الله، أي أنى يحيي الله أهل هذه القرية ففيه مجاز كما في قوله تعالى: " واسئل القرية " يوسف - 82.
وإنما قال هذا القول استعظاما للامر ولقدرة الله سبحانه من غير استبعاد يؤدي إلى الانكار أو ينشأ منه، والدليل على ذلك قوله على ما حكى الله تعالى عنه في آخر القصة: اعلم أن الله على كل شئ قدير ولم يقل: الآن كما في ما يماثله من قوله تعالى حكاية عن امرأة العزيز: " الآن حصحص الحق " يوسف - 51، وسيجئ توضيحه قريبا.
على أن الرجل نبي مكلم وآية مبعوثة إلى الناس والأنبياء معصومون حاشاهم عن الشك والارتياب في البعث الذي هو أحد أصول الدين.
قوله تعالى: فأماته الله مأة عام ثم بعثه، ظاهره توفيه بقبض روحه وإبقائه على هذا الحال مأة عام ثم إحيائه برد روحه إليه.
وقد ذكر بعض المفسرين: أن المراد بالموت هو الحال المسمى عند الأطباء بالسبات وهو أن يفقد الموجود الحي الحس والشعور مع بقاء أصل الحياة مدة من الزمان، أياما أو شهورا أو سنين، كما أنه الظاهر من قصة أصحاب الكهف ورقودهم ثلاثمأة وتسع سنين ثم بعثهم عن الرقدة واحتجاجه تعالى به على البعث فالقصة تشبه القصة.
قال: والذي وجد من موارد اتفاقه لا يزيد على سنين معدودة فسبات مأة سنة أمر غير مألوف وخارق للعادة لكن القادر على توفي الانسان بالسبات زمانا كعدة سنين قادر على إلقاء السبات مأة سنة، ولا يشترط عندنا في التسليم بما تواتر به النص من آيات الله تعالى وأخذها على ظاهرها إلا ان تكون من الممكنات دون المستحيلات، فقد احتج الله بهذا السبات ورجوع الحس والشعور إليه ثانيا بعد سلبه مأة سنة على إمكان رجوع الحياة إلى الأموات بعد سلبها عنهم الوفا من السنين، هذا ملخص ما ذكره.