يهدي المؤمنين إلى الحق وأذكرك ما يشهد بذلك فاذكر قصة المحاجة، واذكر الذي مر على قرية، واذكر إذ قال إبراهيم رب أرني.
فهذا ما يقبله الآيات الثلاث من السياق بحسب المقام، غير أن الله سبحانه اخذ بالتفنن في البيان وخص كل واحدة من الآيات الثلاث بواحد من السياقات الثلاث تنشيطا لذهن المخاطب واستيفاءا لجميع الفوائد السياقية الممكنة الاستيفاء.
ومن هنا يظهر: ان قوله تعالى: أو كالذي، معطوف على مقدر يدل عليه الآية السابقة، والتقدير: إما كالذي حاج إبراهيم أو كالذي مر على قرية، ويظهر أيضا ان قوله في الآية التالية: وإذ قال إبراهيم، معطوف على مقدر مدلول عليه بالآية السابقة والتقدير: أذكر قصة المحاجة وقصة الذي مر على قرية، واذكر إذ قال إبراهيم رب أرني " الخ ".
وقد أبهم الله سبحانه اسم هذا الذي مر على قرية واسم القرية والقوم الذين كانوا يسكنونها، والقوم الذين بعث هذا المار آية لهم كما يدل عليه قوله ولنجعلك آية للناس، مع أن الأنسب في مقام الاستشهاد الإشارة إلى أسمائهم ليكون أنفى للشبهة.
لكن الآية وهي الاحياء بعد الموت وكذا أمر الهداية بهذا النحو من الصنع لما كانت أمرا عظيما، وقد وقعت موقع الاستبعاد والاستعظام، كان مقتضى البلاغة أن يعبر عنها المتكلم الحكيم القدير بلحن الاستهانة والاستصغار لكسر سورة استبعاد المخاطب والسامعين كما أن العظماء يتكلمون عن عظماء الرجال وعظائم الأمور بالتصغير والتهوين تعظيما لمقام أنفسهم، ولذلك أبهم في الآية كثير من جهات القصة مما لا يتقوم به أصلها ليدل على هوان أمرها على الله، ولذلك أيضا أبهم خصم إبراهيم في الآية السابقة وأبهم جهات القصة من أسماء الطيور وأسماء الجبال وعدد الاجزاء وغيرها في الآية اللاحقة.
وأما التصريح باسم إبراهيم عليه السلام فإن للقرآن عناية تشريف به عليه السلام، قال تعالى: " وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه " الانعام - 83، وقال تعالى:
" وكذلك نري إبراهيم ملكوت السماوات والأرض وليكون من الموقنين " الانعام - 75، ففي ذكره عليه السلام بالاسم عناية خاصة.