كان الامر كما تقول: انك ربي ومن شأن الرب ان يتصرف في تدبير أمر هذا النظام الكوني فالله سبحانه يتصرف في الشمس بإتيانها من المشرق فتصرف أنت بإتيانها من المغرب حتى يتضح انك رب كما أن الله رب كل شئ أو انك الرب فوق الأرباب فبهت الذي كفر، وانما فرع الحجة على ما تقدمها لئلا يظن أن الحجة الأولى تمت لنمرود وأنتجت ما ادعاه، ولذلك أيضا قال، فإن الله ولم يقل: فإن ربي لان الخصم استفاد من قوله: ربي سوءا وطبقة على نفسه بالمغالطة فأتى عليه السلام ثانيا بلفظة الجلالة ليكون مصونا عن مثل التطبيق السابق! قد مر بيان ان نمرود ما كان يسعه ان يتفوه في مقابل هذه الحجة بشئ دون ان يبهت فيسكت.
قوله تعالى: والله لا يهدي القوم الظالمين، ظاهر السياق انه تعليل لقوله فبهت الذي كفر فبهته هو عدم هداية الله سبحانه إياه لا كفره، وبعبارة أخرى معناه ان الله لم يهده فبهت لذلك ولو هداه لغلب على إبراهيم في الحجة لا انه لم يهده فكفر لذلك وذلك لان العناية في المقام متوجهة إلى محاجته إبراهيم عليه السلام لا إلى كفره وهو ظاهر.
" ومن هنا يظهر: ان في الوصف إشعارا بالعلية أعني: ان السبب لعدم هداية الله الظالمين هو ظلمهم كما هو كذلك في سائر موارد هذه الجملة من كلامه تعالى كقوله:
" ومن أظلم ممن افترى على الله الكذب وهو يدعى إلى الاسلام والله لا يهدى القوم الظالمين " الصف - 7، وقوله: " مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفارا بئس مثل القوم الذين كذبوا بآيات الله والله لا يهدى القوم الظالمين " الجمعة - 5، ونظير الظلم الفسق في قوله تعالى: " فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم والله لا يهدي القوم الفاسقين " الصف - 5.
وبالجملة الظلم وهو الانحراف عن صراط العدل والعدول عما ينبغي من العمل إلى غير ما ينبغي موجب لعدم الاهتداء إلى الغاية المقصودة، ومؤد إلى الخيبة والخسران بالآخرة، وهذه من الحقائق الناصعة التي ذكرها القرآن الشريف وأكد القول فيها في آيات كثيرة.