رزقه، فإن دعاني أجبته وان سألني أعطيته وان استغفرني غفرت له.
أقول: وما اشتمل عليه الحديثان هو الاخلاص في الدعاء وليس إبطالا لسببية الأسباب الوجودية التي جعلها الله تعالى وسائل متوسطة بين الأشياء وبين حوائجها الوجودية لا عللا فياضة مستقلة دون الله سبحانه، وللانسان شعور باطني بذلك فإنه يشعر بفطرته ان لحاجته سببا معطيا لا يتخلف عنه فعله، ويشعر أيضا ان كل ما يتوجه إليه من الأسباب الظاهرية يمكن ان يتخلف عنه اثره فهو يشعر بأن المبدأ الذي يبتدئ عنه كل أمر، والركن الذي يعتمد عليه ويركن إليه كل حاجة في تحققها ووجودها غير هذه الأسباب ولازم ذلك أن لا يركن الركون التام إلى شئ من هذه الأسباب بحيث ينقطع عن السبب الحقيقي ويعتصم بذلك السبب الظاهري، والانسان ينتقل إلى هذه الحقيقة بأدنى توجه والتفات فإذا سئل أو طلب شيئا من حوائجه فوقع ما طلبه كشف ذلك أنه سئل ربه واتصل حاجته، التي شعر بها بشعوره الباطني من طريق الأسباب إلى ربه فاستفاض منه، وإذا طلب ذلك من سبب من الأسباب فليس ذلك من شعور فطري باطني وانما هو أمر صوره له تخيله لعلل أوجبت هذا التخيل من غير شعور باطني بالحاجة، وهذا من الموارد التي يخالف فيها الباطن الظاهر.
ونظير ذلك: ان الانسان كثيرا ما يحب شيئا ويهتم به حتى إذا وقع وجده ضارا بما هو أنفع منه وأهم وأحب فترك الأول وأخذ بالثاني، وربما هرب من شئ حتى إذا صادفه وجده أنفع وخيرا مما كان يتحفظ به فأخذ الأول وترك الثاني، فالصبي المريض إذا عرض عليه الدواء المر امتنع من شربه وأخذ بالبكاء وهو يريد الصحة، فهو بشعوره الباطني الفطري يسأل الصحة فيسأل الدواء وان كان بلسان قوله أو فعله يسأل خلافه، فللانسان في حياته نظام بحسب الفهم الفطري والشعور الباطني وله نظام آخر بحسب تخيله والنظام الفطري لا يقع فيه خطأ ولا في سيره خبط، واما النظام التخيلي فكثيرا ما يقع فيه الخطاء والسهو، فربما سأل الانسان أو طلب بحسب الصورة الخيالية شيئا، وهو بهذا السؤال بعينه يسأل شيئا آخر أو خلافه، فعلى هذا ينبغي أن يقرر معنى الأحاديث، وهو اللائح من قول علي عليه السلام فيما سيأتي: أن العطية على قدر النية الحديث.
وفي عدة الداعي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة