النازلة في هذا الباب كقوله تعالى: " قل ما يعبؤ بكم ربي لولا دعائكم " الفرقان - 77، وقوله تعالى: " قل أرأيتم إن أتيكم عذاب الله بغتة أو أتتكم الساعة أغير الله تدعون إن كنتم صادقين بل إياه تدعون فيكشف ما تدعون إليه إن شاء وتنسون ما كنتم تشركون " الانعام - 41، وقوله تعالى: " قل من ينجيكم في ظلمات البر والبحر تدعونه تضرعا وخفية لئن أنجانا من هذه لنكونن من الشاكرين قل الله ينجيكم منها ومن كل كرب ثم أنتم تشركون " الانعام - 64، فالآيات دالة على أن للانسان دعاء غريزيا وسؤالا فطريا يسأل به ربه، غير أنه إذا كان في رخاء ورفاه تعلقت نفسه بالأسباب فأشركها لربه، فالتبس عليه الامر وزعم أنه لا يدعو ربه ولا يسأل عنه، مع أنه لا يسأل غيره فإنه على الفطرة ولا تبديل لخلق الله تعالى، ولما وقع الشدة وطارت الأسباب عن تأثيرها وفقدت الشركاء والشفعاء تبين له ان لا منجح لحاجته ولا مجيب لمسألته إلا الله، فعاد إلى توحيده الفطري ونسي كل سبب من الأسباب، ووجه وجهه نحو الرب الكريم فكشف شدته وقضى حاجته واظله بالرخاء، ثم إذا تلبس به ثانيا عاد إلى ما كان عليه أولا من الشرك والنسيان.
وكقوله تعالى: " وقال ربكم ادعوني أستجب لكم ان الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين " المؤمن - 60، والآية تدعو إلى الدعاء وتعد بالإجابة وتزيد على ذلك حيث تسمي الدعاء عبادة بقولها: عن عبادتي أي عن دعائي، بل تجعل مطلق العبادة دعاء حيث إنها تشتمل الوعيد على ترك الدعاء بالنار والوعيد بالنار انما هو على ترك العبادة رأسا لا على ترك بعض أقسامه دون بعض فأصل العبادة دعاء فافهم ذلك.
وبذلك يظهر معنى آيات اخر من هذا الباب كقوله تعالى: " فأدعوا الله مخلصين له الدين " المؤمن - 14، وقوله تعالى: " وادعوه خوفا وطمعا ان رحمة الله قريب من المحسنين " الأعراف - 56، وقوله تعالى: " ويدعوننا رغبا ورهبا وكانوا لنا خاشعين " الأنبياء - 90، وقوله تعالى: " ادعوا ربكم تضرعا وخفية انه لا يحب المعتدين " الأعراف - 55، وقوله تعالى: " إذ نادى ربه نداء خفيا، إلى قوله، ولم أك بدعائك ربي شقيا " مريم - 4، وقوله تعالى: " ويستجيب الذين آمنوا وعملوا الصالحات ويزيدهم من فضله " الشورى - 26، إلى غير ذلك من الآيات المناسبة، وهي تشتمل على