وانما سعادته في آخرته فقد سأل في الحقيقة لآخرته لا دنياه فيستجاب لذلك فيها لا في الدنيا.
وفي عدة الداعي عن الباقر عليه السلام ما بسط عبد يده إلى الله عز وجل إلا استحيى الله أن يردها صفرا حتى يجعل فيها من فضله ورحمته ما يشاء، فإذا دعا أحدكم فلا يرد يده حتى يمسح بها على رأسه ووجهه، وفي خبر آخر على وجهه وصدره.
أقول: وقد روي في الدر المنثور ما يقرب من هذا المعنى عن عدة من الصحابة كسلمان، وجابر، وعبد الله بن عمر، وأنس بن مالك، وابن أبي مغيث عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في ثماني روايات، وفي جميعها رفع اليدين في الدعاء فلا معنى لانكار بعضهم رفع اليدين بالدعاء معللا بأنه من التجسيم إذ رفع اليدين إلى السماء ايماء إلى أنه تعالى فيها - تعالى عن ذلك وتقدس.
وهو قول فاسد، فإن حقيقة جميع العبادات البدنية هي تنزيل المعنى القلبي والتوجه الباطني إلى موطن الصورة، وإظهار الحقائق المتعالية عن المادة في قالب التجسم، كما هو ظاهر في الصلاة والصوم والحج وغير ذلك وأجزائها وشرائطها، ولولا ذلك لم يستقم أمر العبادة البدنية، ومنها الدعاء، وهو تمثيل التوجه القلبي والمسألة الباطنية بمثل السؤال الذي نعهده فيما بيننا من سؤال الفقير المسكين الداني من الغني المتعزز العالي حيث يرفع يديه بالبسط، ويسأل حاجتة بالذلة والضراعة، وقد روى الشيخ في المجالس والاخبار مسندا عن محمد وزيد ابني علي بن الحسين عن أبيهما عن جدهما الحسين عليه السلام عن النبي، وفي عدة الداعي مرسلا أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يرفع يديه إذا ابتهل ودعا كما يستطعم المسكين.
وفي البحار عن علي عليه السلام أنه سمع رجلا يقول: اللهم إني أعوذ بك من الفتنة، قال عليه السلام: أراك تتعوذ من مالك وولدك، يقول الله تعالى: (إنما أموالكم وأولادكم فتنة) ولكن قل: اللهم إني أعوذ بك من مضلات الفتن.
أقول: وهذا باب آخر في تشخيص معنى اللفظ وله نظائر في الروايات، وفيها:
أن الحق في معنى كل لفظ هو الذي ورد منه في كلامه، ومن هذا الباب ما ورد في الروايات في تفسير معنى الجزء والكثير وغير ذلك.