حكم اللباس جار في النهار كالليل وهو محرم في النهار، وثانيا: ان القيود المأخوذة في الآية من قوله: ليلة الصيام، وقوله: هن لباس لكم، وقوله: انكم كنتم تختانون أنفسكم، تدل على علل ثلاث مترتبة يترتب عليها الحكم المنسوخ والناسخ فكون أحد الزوجين لباسا للآخر يوجب ان يجوز الرفث بينهما مطلقا، ثم حكم الصيام المشار إليه بقوله: ليله الصيام، والصيام هو الكف والامساك عن مشتهيات النفس من الأكل والشرب والنكاح يوجب تقييد جواز الرفث وصرفه إلى غير مورد الصيام، ثم صعوبة كف النفس عن النكاح شهرا كاملا عليهم ووقوعهم في معصية مستمرة وخيانة جارية يوجب تسهيلا ما عليهم بالترخيص في ذلك ليلا، وبذلك يعود اطلاق حكم اللباس المقيد بالصيام إلى بعض اطلاقه وهو ان يعمل به ليلا لا نهارا، والمعنى والله أعلم:
ان اطلاق حكم اللباس الذي قيدناه بالصيام ليلا ونهارا وحرمناه عليكم حللناه لكم لما علمنا انكم تختانون أنفسكم فيه واردنا التخفيف عنكم رأفة ورحمة، واعدنا اطلاق ذلك الحكم عليه في ليلة الصيام وقصرنا حكم الصيام على النهار فأتموا الصيام إلى الليل.
والحاصل: ان قوله تعالى: هن لباس لكم وأنتم لباس لهن، وان كان علة أو حكمة لاحلال أصل الرفث الا ان الغرض في الآية ليس متوجها إليه بل الغرض فيها بيان حكمة جواز الرفث ليلة الصيام وهو مجموع قوله: هن لباس لكم إلى قوله:
وعفا عنكم، وهذه الحكمة مقصورة على الحكم الناسخ ولا يعم المنسوخ قطعا.
قوله تعالى: فالآن باشروهن وابتغوا ما كتب الله لكم، أمر واقع بعد الحضر فيدل على الجواز، وقد سبقه قوله تعالى: في أول الآية أحل لكم والمعنى فمن الآن تجوز لكم مباشرتهن، والابتغاء هو الطلب، والمراد بابتغاء ما كتب الله هو طلب الولد الذي كتب الله سبحانه ذلك على النوع الانساني من طريق المباشرة، وفطرهم على طلبه بما أودع فيهم من شهوة النكاح والمباشرة، وسخرهم بذلك على هذا العمل فهم يطلبون بذلك ما كتب الله لهم وأن لم يقصدوا ظاهرا إلا ركوب الشهوة ونيل اللذة كما أنه تعالى كتب لهم بقاء الحياة والنمو بالاكل والشرب وهو المطلوب الفطري وان لم يقصدوا بالاكل والشرب إلا الحصول على لذة الذوق والشبع والري، فإنما هو تسخير إلهي.