من أفراد الانسان، وهذا يؤيد ما وردت به الروايات: انه أمر بإحضار رجلين ممن كان في سجنه فأطلق أحدهما وقتل الآخر، وقال عند ذلك: أنا أحيي وأميت.
وانما أخذ عليه السلام في حجته الاحياء والإماتة لأنهما أمران ليس للطبيعة الفاقدة للحياة فيهما صنع، وخاصة التي في الحيوان حيث تستتبع الشعور والإرادة وهما أمران غير ماديين قطعا، وكذا الموت المقابل لها، والحجة على ما فيها من السطوع والوضوح لم تنجح في حقهم، لان انحطاطهم في الفكر وخبطهم في التعقل كان فوق ما كان يظنه عليه السلام في حقهم، فلم يفهموا من الاحياء والإماتة إلا المعنى المجازي الشامل لمثل الاطلاق والقتل، فقال نمرود: انا أحيي وأميت وصدقه من حضره، ومن سياق هذه المحاجة يمكن أن يحدس المتأمل ما بلغ إليه الانحطاط الفكري يؤمئذ في المعارف والمعنويات، ولا ينافي ذلك الارتقاء الحضاري والتقدم المدني الذي يدل عليه الآثار والرسوم الباقية من بابل كلدة ومصر الفراعنة وغيرهما، فإن المدنية المادية أمر والتقدم في معنويات المعارف أمر آخر، وفي ارتقاء الدنيا الحاضرة في مدنيتها وانحطاطها في الأخلاق والمعارف المعنوية ما تسقط به هذه الشبهة.
ومن هنا يظهر: وجه عدم أخذه عليه السلام في حجته مسئلة احتياج العالم بأسره إلى الصانع الفاطر للسموات والأرض كما اخذ به في استبصار نفسه في بادي أمره على ما يحكيه الله عنه بقوله: اني وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفا وما أنا من المشركين " الانعام - 79، فإن القوم على اعترافهم بذلك بفطرتهم اجمالا كانوا أنزل سطحا من أن يعقلوه على ما ينبغي ان يعقل عليه بحيث ينجح احتجاجه ويتضح مراده عليه السلام، وناهيك في ذلك ما فهموه من قوله: ربي الذي يحيي ويميت.
قوله تعالى: قال أنا أحيي وأميت، أي فأنا ربك الذي وصفته بأنه يحيي ويميت.
قوله تعالى: قال إبراهيم: فإن الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب فبهت الذي كفر، لما أيس عليه السلام من مضي احتجاجه بأن ربه الذي يحيي ويميت، لسوء فهم الخصم وتمويهه وتلبيسه الامر على من حضر عندهما عدل عن بيان ما هو مراده من الاحياء والإماتة إلى حجة أخرى، إلا أنه بنى هذه الحجة الثانية على دعوى الخصم في الحجة الأولى كما يدل عليه التفريع بالفاء في قوله: فإن الله " الخ "، والمعنى: إن