كما ذكره بعضهم.
ومن الشواهد على أن الآية غير منسوخة التعليل الذي فيها أعني قوله: قد تبين الرشد من الغي، فإن الناسخ ما لم ينسخ علة الحكم لم ينسخ نفس الحكم، فإن الحكم باق ببقاء سببه، ومعلوم أن تبين الرشد من الغي في أمر الاسلام أمر غير قابل للارتفاع بمثل آية السيف، فإن قوله: فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم مثلا، أو قوله: وقاتلوا في سبيل الله الآية لا يؤثران في ظهور حقية الدين شيئا حتى ينسخا حكما معلولا لهذا وبعبارة أخرى الآية تعلل قوله: لا اكراه في الدين بظهور الحق، هو معنى لا يختلف حاله قبل نزول حكم القتال وبعد نزوله، فهو ثابت على كل حال، فهو غير منسوخ.
قوله تعالى: فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى " الخ "، الطاغوت هو الطغيان والتجاوز عن الحد ولا يخلو عن مبالغة في المعنى كالملكوت والجبروت، ويستعمل فيما يحصل به الطغيان كأقسام المعبودات من دون الله كالأصنام والشياطين والجن وأئمة الضلال من الانسان وكل متبوع لا يرضى الله سبحانه باتباعه، ويستوى فيه المذكر والمؤنث والمفرد والتثنية والجمع.
وإنما قدم الكفر على الايمان في قوله فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله، ليوافق الترتيب الذي يناسبه الفعل الواقع في الجزاء أعني الاستمساك بالعروة الوثقى، لان الاستمساك بشئ إنما يكون بترك كل شئ والاخذ بالعروة، فهناك ترك ثم أخذ، فقدم الكفر وهو ترك على الايمان وهو اخذ ليوافق ذلك، والاستمساك هو الاخذ والامساك بشدة، والعروة: ما يؤخذ به من الشئ كعروة الدلو وعروة الاناء، والعروة هي كل ماله أصل من النبات وما لا يسقط ورقه، وأصل الباب التعلق يقال: عراه واعتراه اي تعلق به.
والكلام أعني قوله: فقد استمسك بالعروة الوثقى، موضوع على الاستعارة للدلالة على أن الايمان بالنسبة إلى السعادة بمنزلة عروة الاناء بالنسبة إلى الاناء وما فيه، فكما لا يكون الاخذ أخذا مطمئنا حتى يقبض على العروة كذلك السعادة الحقيقية لا يستقر