فسلاح المعنى أشد بأسا.
هذا في المعنويات الصورية الوهمية التي بين الناس في شؤونهم الاجتماعية التي لا تتجاوز حد الخيال والوهم، وأما المعنى الحق الذي يدعو إليه سبحانه فإن أمره أوضح وأبين.
فالحق من حيث نفسه لا يقابل إلا الضلال والباطل، وما ذا بعد الحق إلا الضلال، ومن المعلوم ان الباطل لا يقاوم الحق فالغلبة لحجة الحق على الباطل.
والحق من حيث تأثيره وإيصاله إلى الغاية أيضا غير مختلف ولا متخلف، فإن المؤمن لو غلب على عدو الحق في ظاهر الحياة كان فائزا مأجورا، وإن غلب عليه عدو الحق، فإن أجبره على ما لا يرتضيه الله سبحانه كانت وظيفته الجري على الكره والاضطرار، ووافق ذلك رضاه تعالى، قال تعالى: " إلا ان تتقوا منهم تقية " آل عمران - 28، وان قتله كان ذلك له حياة طيبة لا موتا، قال تعالى: " ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله أموات بل أحياء ولكن لا تشعرون " البقرة - 154.
فالمؤمن منصور غير مغلوب أبدا، اما ظاهرا وباطنا، واما باطنا فقط، قال تعالى: " قل هل تربصون بنا إلا إحدى الحسنيين " التوبة - 52.
ومن هنا يظهر: أن الحق هو الغالب في الدنيا ظاهرا وباطنا معا، أما ظاهرا:
فإن الكون كما عرفت يهدي النوع الانساني هداية تكوينية إلى الحق والسعادة، وسوف يبلغ غايته، فإن الظهور المترائى من الباطل جولة بعد جولة لا عبرة به، وانما هو مقدمة لظهور الحق ولما ينقض سلسلة الزمان ولما يفن الدهر، والنظام الكوني غير مغلوب البتة، وأما باطنا: فلما عرفت ان الغلبة لحجة الحق.
واما ان لحق القول الفعل كل صفة جميلة كالثبات والبقاء والحسن، ولباطل القول والفعل كل صفة ذميمة كالتزلزل والزوال والقبح والسوء فوجهه ما أشرنا إليه في سابق الأبحاث: ان المستفاد من قوله تعالى: " ذلكم الله ربكم خالق كل شئ " المؤمن - 62، وقوله تعالى: " الذي أحسن كل شئ خلقه " ألم السجدة -، وقوله تعالى ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك " النساء - 79، ان السيئات اعدام وبطلانات غير مستندة إلى الله سبحانه الذي هو الخالق الفاطر المفيض