السامع.
وتكرار عسى في الآية لكون المؤمنين كارهين للحرب، محبين للسلم، فأرشدهم الله سبحانه على خطأهم في الامرين جميعا، بيان ذلك: أنه لو قيل: عسى ان تكرهوا شيئا وهو خير لكم أو تحبوا شيئا وهو شر لكم، كان معناه أنه لا عبرة بكرهكم وحبكم فإنهما ربما يخطئان الواقع، ومثل هذا الكلام إنما يلقى إلى من أخطأ خطأ واحدا كمن يكره لقاء زيد فقط، وأما من أخطأ خطائين كان يكره المعاشرة والمخالطة ويحب الاعتزال، فالذي تقتضيه البلاغة ان يشار إلى خطأه في الامرين جميعا، فيقال له:
لا في كرهك أصبت، ولا في حبك اهتديت، عسى ان تكره شيئا وهو خير لك وعسى ان تحب شيئا وهو شر لك لأنك جاهل لا تقدر ان تهتدي بنفسك إلى حقيقة الامر، ولما كان المؤمنون مع كرههم للقتال محبين للسلم كما يشعر به أيضا قوله تعالى سابقا: أم حسبتم ان تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم، نبههم الله بالخطأين بالجملتين المستقلتين وهما: عسى ان تكرهوا، وعسى ان تحبوا.
قوله تعالى: " والله يعلم وأنتم لا تعلمون، تتميم لبيان خطأهم، فإنه تعالى تدرج في بيان ذلك إرفاقا بأذهانهم، فأخذ أولا بإبداء احتمال خطأهم في كراهتهم للقتال بقوله: عسى ان تكرهوا، فلما اعتدلت أذهانهم بحصول الشك فيها، وزوال صفة الجهل المركب عليهم ثانيا بأن هذا الحكم الذي كرهتموه أنتم إنما شرعه الله الذي لا يجهل شيئا من حقائق الأمور، والذي ترونه مستند إلى نفوسكم التي لا تعلم شيئا إلا ما علمها الله إياه وكشف عن حقيقته، فعليكم ان تسلموا إليه سبحانه الامر.
والآية في إثباته العلم له تعالى على الاطلاق ونفى العلم عن غيره على الاطلاق تطابق سائر الآيات الدالة على هذا المعنى كقوله تعالى: " إن الله لا يخفى عليه شئ " آل عمران - 5، وقوله تعالى: " ولا يحيطون بشئ من علمه إلا بما شاء " البقرة - 255، وقد سبق بعض الكلام في القتال في قوله: " وقاتلوا في سبيل الله " البقرة - 190.
قوله تعالى: يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه، الآية تشتمل على المنع عن القتال في الشهر الحرام وذمة بأنه صد عن سبيل الله وكفر، واشتمالها مع ذلك على أن إخراج أهل المسجد الحرام منه أكبر عند الله، وان الفتنة أكبر من القتل، يؤذن