أن ينسب الكراهة والتثاقل إلى قوم فيهم كاره وغير كاره وأكثرهم كارهون، فهذا وجه.
وإما لان المؤمنين كانوا يرون ان القتال مع الكفار مع ما لهم من العدة والقوة لا يتم على صلاح الاسلام والمسلمين، وان الحزم في تأخيره حتى يتم لهم الاستعداد بزيادة النفوس وكثرة الأموال ورسوخ الاستطاعة، ولذلك كانوا يكرهون الاقدام على القتال والاستعجال في النزال، فبين تعالى أنهم مخطئون في هذا الرأي والنظر، فإن لله أمرا في هذا الامر هو بالغه، وهو العالم بحقيقة الامر وهم لا يعلمون إلا ظاهره وهذا وجه آخر.
وإما لان المؤمنين لكونهم متربين بتربية القرآن تعرق فيهم خلق الشفقة على خلق الله، وملكة الرحمة والرأفة فكانوا يكرهون القتال مع الكفار لكونه مؤديا إلى فناء نفوس منهم في المعارك على الكفر، ولم يكونوا راضين بذلك بل كانوا يحبون أن يداروهم ويخالطوهم بالعشرة الجميلة، والدعوة الحسنة لعلهم يسترشدوا بذلك، ويدخلوا تحت لواء الايمان فيحفظ نفوس المؤمنين من الفناء، ونفوس الكفار من الهلاك الأبدي والبوار الدائم، فبين ذلك انهم مخطئون في ذلك، فإن الله - وهو المشرع لحكم القتال - يعلم أن الدعوة غير مؤثرة في تلك النفوس الشقية الخاسرة، وانه لا يعود من كثير منهم عائد إلى الدين ينتفع به في دنيا أو آخرة، فهم في الجامعة الانسانية كالعضو الفاسد الساري فساده إلى سائر الأعضاء، الذي لا ينجع فيه علاج دون أن يقطع ويرمي به، وهذا أيضا وجه.
فهذه وجوه يوجه بها قوله تعالى: (وهو كره لكم) إلا ان الأول أنسب نظرا إلى ما أشير إليه من آيات العتاب، على أن التعبير في قوله: كتب عليكم القتال، بصيغة المجهول على ما مر من الوجه يؤيد ذلك.
قوله تعالى: وعسى ان تكرهوا شيئا وهو خير لكم، قد مر فيما مر ان أمثال عسى ولعل في كلامه تعالى مستعمل في معنى الترجي، وليس من الواجب قيام صفة الرجاء بنفس المتكلم بل يكفي قيامها بالمخاطب أو بمقام التخاطب، فالله سبحانه إنما يقول: عسى ان يكون كذا لا لأنه يرجوه، تعالى عن ذلك، بل ليرجوه المخاطب أو