استطاعوا ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون - 217.
إن الذين آمنوا والذين هاجروا وجاهدوا في سبيل الله أولئك يرجون رحمة الله والله غفور رحيم - 218.
(بيان) قوله تعالى: كتب عليكم القتال وهو كره لكم، الكتابة كما مر مرارا ظاهرة في الفرض إذا كان الكلام مسوقا لبيان التشريع، وفي القضاء الحتم إذا كان في التكوين فالآية تدل على فرض القتال على كافة المؤمنين لكون الخطاب متوجها إليهم إلا من أخرجه الدليل مثل قوله تعالى: " ليس على الأعمى حرج ولا على الأعرج حرج ولا على المريض حرج " النور - 61، وغير ذلك من الآيات والأدلة.
ولم يظهر فاعل كتب لكون الجملة مذيلة بقوله: " وهو كره لكم " وهو لا يناسب إظهار الفاعل صونا لمقامه عن الهتك، وحفظا لاسمه عن الاستخفاف أن يقع الكتابة المنسوبة إليه صريحا موردا لكراهة المؤمنين.
والكره بضم الكاف المشقة التي يدركها الانسان من نفسه طبعا أو غير ذلك، والكره بفتح الكاف: المشقة التي تحمل عليه من خارج كأن يجبره إنسان آخر على فعل ما يكرهه، قال تعالى: " لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها " النساء - 19، وقال تعالى: " فقال لها وللأرض ائتيا طوعا أو كرها " فصلت - 11، وكون القتال المكتوب كرها للمؤمنين إما لان القتال لكونه متضمنا لفناء النفوس وتعب الأبدان والمضار المالية وارتفاع الامن والرخص والرفاهية، وغير ذلك مما يستكرهه الانسان في حياته الاجتماعية لا محالة كان كرها وشاقا للمؤمنين بالطبع، فإن الله سبحانه وإن مدح المؤمنين في كتابه بما مدح، وذكر ان فيهم رجالا صادقين في إيمانهم مفلحين في سعيهم، لكنه مع ذلك عاتب طائفة منهم بما في قلوبهم من الزيغ والزلل، وهو ظاهر بالرجوع إلى الآيات النازلة في غزوة بدر وأحد والخندق وغيرها، ومعلوم ان من الجائز