ينفقون؟ وأين ينفقون فذكر أحد السؤالين وحذف الآخر، وهو السؤال الثاني لدلالة الجواب عليه! وهو كما ترى.
وكيف كان لا ينبغي الشك في أن في الآية تحويلا ما للجواب إلى جواب آخر تنبيها على أن الأحق هو السؤال عن من ينفق عليهم، وإلا فكون الانفاق من الخير والمال ظاهر، والتحول من معنى إلى آخر للتنبيه على ما ينبغي التحول إليه والاشتغال به كثير الورود في القرآن، وهو من الطف الصنائع المختصة به كقوله تعالى: " ومثل الذين كفروا كمثل الذي ينعق بما لا يسمع إلا دعاءا ونداءا " البقرة - 171 وقوله تعالى: " مثل ما ينفقون في هذه الحياة الدنيا كمثل ريح فيها صر " آل عمران - 117 وقوله تعالى: " مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل " البقرة - 261، وقوله تعالى: " يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم " الشعراء - 89، وقوله تعالى: " قل ما أسئلكم عليه من أجر إلا من شاء ان يتخذ إلى ربه سبيلا " الفرقان - 57، وقوله تعالى: " سبحان الله عما يصفون إلا عباد الله المخلصين " الصافات - 160، إلى غير ذلك من كرائم الآيات.
قوله تعالى: وما تفعلوا من خير فإن الله به عليم، في تبديل الانفاق من فعل الخير هيهنا كتبديل المال من الخير في أول الآية إيماء إلى أن الانفاق وان كان مندوبا إليه من قليل المال وكثيره، غير أنه ينبغي ان يكون خيرا يتعلق به الرغبة وتقع عليه المحبة كما قال تعالى: " لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون " آل عمران - 92، وكما قال تعالى: " يا أيها الذين آمنوا انفقوا من طيبات ما كسبتم ومما أخرجنا لكم من الأرض ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون ولستم بآخذيه إلا ان تغمضوا فيه " البقرة - 267.
وايماء إلى أن الانفاق ينبغي ان لا يكون على نحو الشر كالانفاق بالمن والأذى كما قال تعالى: " ثم لا يتبعون ما أنفقوا منا ولا أذى " البقرة - 262، وقوله تعالى:
" ويسئلونك ماذا ينفقون قل العفو " البقرة - 219.
(بحث روائي) في الدر المنثور عن ابن عباس قال ما رأيت قوما كانوا خيرا من أصحاب محمد ما سألوه إلا عن ثلاث عشرة مسألة حتى قبض، كلهن في القرآن، منهن: يسئلونك