ينفقون ليس هو السؤال عن الماهية فإنه اصطلاح منطقي لا ينبغي ان ينزل عليه الكلام العربي ولا سيما أفصح الكلام وأبلغه، بل هو السؤال عن الكيفية، وانهم كيف ينفقونه، وفي أي موضع يضعونه، فأجيب بالصرف في المذكورين في الآية، فالجواب مطابق للسؤال لا كما ذكره علماء البلاغة.
ومثله وهو أغرب منه ما ذكره بعض آخر: ان السؤال وإن كان بلفظ ما إلا ان المقصود هو السؤال عن الكيفية فإن من المعلوم ان الذي ينفق به هو المال، وإذا كان هذا معلوما لم يذهب إليه الوهم، وتعين ان السؤال عن الكيفية، نظير قوله تعالى:
" قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما هي ان البقر تشابه علينا " البقرة - 70، فكان من المعلوم ان البقرة بهيمة نشأتها وصفتها كذا وكذا، فلا وجه لحمل قوله: ما هي على طلب الماهية، فكان من المتعين ان يكون سؤالا عن الصفة التي بها تمتاز البقرة من غيرها، ولذلك أجيب بالمطابقة بقوله تعالى: " إنها بقرة لا ذلول الآية " البقرة - 71.
وقد اشتبه الامر على هؤلاء، فإن ما وان لم تكن موضوعة في اللغة لطلب الماهية التي اصطلح عليها المنطق، وهي الحد المؤلف من الجنس والفصل القريبين، لكنه لا يستلزم ان تكون حينئذ موضوعة للسؤال عن الكيفية، حتى يصح لقائل ان يقول عند السؤال عن المستحقين للانفاق: ماذا أنفق: أي على من أنفق؟ فيجاب عنه بقوله:
للوالدين والأقربين، فإن ذلك من أوضح اللحن.
بل ما موضوعة للسؤال عما يعرف الشئ سواء كان معرفا بالحد والماهية، أو معرفا بالخواص والأوصاف، فهي أعم مما اصطلح عليه في المنطق لا أنها مغايرة له وموضوعة للسؤال عن كيفية الشئ، ومنه يعلم أن قوله تعالى: " يبين لنا ما هي " وقوله تعالى: " إنها بقرة لا ذلول " سؤال وجواب جاريان على أصل اللغة، وهو السؤال عما يعرف الشئ ويخصه والجواب بذلك.
وأما قول القائل: إن الماهية لما كانت معلومة تعين حمل ما على السؤال عن الكيفية دون الماهية فهو من أوضح الخطأ، فإن ذلك لا يوجب تغير معنى الكلمة مما وضع له إلى غيره.
ويتلوهما في الغرابة قول من يقول: إن السؤال كان عن الامرين جميعا: ما