وأما كون هذا الشعور الباطني في معرض التغير والفساد لكونه متعلقا نحو تعلق بالبدن فلا نسلم كون كل شعور متعلق بالبدن معرضا للتغير والفساد، وانما القدر المسلم من ذلك هذا الشعور الفكري (وقد مر ان الشعور النبوي ليس من قبيل الشعور الفكري) وذلك أن من الشعور شعور الانسان بنفسه، وهو لا يقبل البطلان والفساد والتغير والخطأ فإنه علم حضوري معلومه عين المعلوم الخارجي، وتتمة هذا الكلام موكول إلى محله.
فقد تبين مما مر أمور: أحدهما: انسياق الاجتماع الانساني إلى التمدن والاختلاف.
ثانيها: ان هذا الاختلاف القاطع لطريق سعادة النوع لا يرتفع ولن يرتفع بما يضعه العقل الفكري من القوانين المقررة.
ثالثها: ان رافع هذا الاختلاف إنما هو الشعور النبوي الذي يوجده الله سبحانه في بعض آحاد الانسان لا غير.
رابعها: ان سنخ هذا الشعور الباطني الموجود في الأنبياء غير سنخ الشعور الفكري المشترك بين العقلاء من افراد الانسان.
خامسها: ان هذا الشعور الباطني لا يغلط في إدراكه الاعتقادات والقوانين المصلحة لحال النوع الانساني في سعادته الحقيقية.
سادسها: ان هذه النتائج (ويهمنا من بينها الثلاثة الأخيرة أعني: لزوم بعثة الأنبياء، وكون شعور الوحي غير الشعور الفكري سنخا، وكون النبي معصوما غير غالط في تلقي الوحي) نتائج ينتجها الناموس العام المشاهد في هذه العالم الطبيعي، وهو سير كل واحد من الأنواع المشهودة فيه نحو سعادته بهداية العلل الوجودية التي جهزتها بوسائل السير نحو سعادته والوصول إليها والتلبس بها، والانسان أحد هذه الأنواع، وهو مجهز بما يمكنه به ان يعتقد الاعتقاد الحق ويتلبس بالملكات الفاضلة، ويعمل عملا صالحا في مدينة صالحة فاضلة، فلا بد ان يكون الوجود يهيئ له هذه السعادة يوما في الخارج ويهديه إليه هداية تكوينية ليس فيها غلط ولا خطأ على ما مر بيانه.