مطابقتها للخارج وعدمها، وإذا فرض ان الذي يهدي هذا النوع إلى سعادته ورفع اختلافه العارض على اجتماعه هو الايجاد والتكوين لزم ان لا يعرضه غلط ولا خطأ في هدايته، ولا في وسيلة هدايته التي هي روح النبوة وشعور الوحي، فلا التكوين يغلط في وضعه هذا الروح والشعور في وجود النبي، ولا هذا الشعور الذي وضعه يغلط في تشخيصه مصالح النوع عن مفاسده وسعادته عن شقائه، ولو فرضنا له غلطا وخطائا في أمره وجب أن يتداركه بأمر آخر مصون عن الغلط والخطاء، فمن الواجب ان يقف أمر التكوين على صواب لا خطأ فيه ولا غلط.
فظهر: ان هذا الروح النبوي لا يحل محلا إلا بمصاحبة العصمة، وهي المصونية عن الخطأ في أمر الدين والشريعة المشرعة، وهذه العصمة غير العصمة عن المعصية كما أشرنا إليه سابقا، فإن هذه عصمة في تلقي الوحي من الله سبحانه، وتلك عصمة في مقام العمل والعبودية، وهناك مرحلة ثالثة من العصمة وهي العصمة في تبليغ الوحي، فإن كلتيهما واقعتان في طريق سعادة الانسان التكوينية وقوعا تكوينيا، ولا خطأ ولا غلط في التكوين.
وقد ظهر بما ذكرنا الجواب عن إشكال آخر في المقام وهو: أنه لم لا يجوز أن يكون هذا الشعور الباطني مثل الشعور الفطري المشترك أعني الشعور الفكري في نحو الوجود بأن يكون محكوما بحكم التغير والتأثر؟ فإن الشعور الفطري وان كان أمرا غير مادي، ومن الأمور القائمة بالنفس المجردة عن المادة إلا أنه من جهة ارتباطه بالمادة يقبل الشدة والضعف والبقاء والبطلان كما في مورد الجنون والسفاهة والبلاهة والغباوة وضعف الشيب وسائر الآفات الواردة على القوى المدركة، فكذلك هذا الشعور الباطني أمر متعلق بالبدن المادي نحوا من التعلق، وان سلم انه غير مادي في ذاته فيجب ان يكون حاله حال الشعور الفكري في قبول التغير والفساد، ومع امكان عروض التغير والفساد فيه يعود الاشكالات السابقة البتة.
والجواب: انا بينا ان هذا السوق أعني سوق النوع الانساني نحو سعادته الحقيقية انما يتحقق بيد الصنع والايجاد الخارجي دون العقل الفكري، ولا معنى لتحقق الخطأ في الوجود الخارجي.