تنزيل الآيات على الشواهد من الأبيات ، شرح شواهد الكشاف - محب الدين الأفندي - الصفحة ٤٠٧
قوله فما عجول: أي ناقة عجل عليها وطردت عن رأس ولدها، ويراد بالعجول ناقة فقدت ولدها بنحر أو موت، ويقال لأمثالها من النوق المعاجيل أيضا، ووجدهن يزيد على كل وجد. والبو: ولد الناقة، وأصله جلد فصيل يحشى تبنا لتدر الأم عليه. لها: أي لهذه الناقة حنينان لفراق ولد صغير وكبير. لا تسأم الدهر: أي لا تمل من الحنين إليه. والدهر إقبال وإدبار: أي إقبال النهار وإدبار الليل وبعكسه، وقيل: فإنما هي ذات إقبال وإدبار، أو يكون فإنما هي مقبلة ومدبرة، أو جعلها الإقبال والإدبار اتساعا كما قال تعالى (الحج أشهر معلومات) وقال (ولكن البر من آمن بالله) فجعلهم برا وجعل الأشهر حجا لوقوعه فيها، وقالوا: ولكن ذا البر، وقالوا: ولكن البر بر من آمن.
(ليس الفتى بفتى لا يستضاء به * ولا يكون له في الأرض آثار) في سورة هود عند قوله تعالى (هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها) أي أمركم بالعمارة، والعمارة متنوعة إلى واجب وندب ومباح ومكروه: فالواجب كسد الثغور والقناطر المبنية على الأنهر والمملكة والمسجد الجامع في المصر، والمندوب كالمساجد والقناطر والمدارس والربط، والمباح كالبيوت التي يسكن فيها، والحرام كأبنية الظلمة وغيرهم، وكانت ملوك فارس قد أكثرت من حفر الأنهار وغرس الأشجار وعمروا الأعمار الطوال مع ما كان فيهم من عسف الرعايا، فسأل نبي من أنبياء زمانهم ربه عن سبب تعميرهم فأوحى إليه: أنهم عمروا بلادي فعاش فيها عبادي. وعن معاوية بن أبي سفيان أنه أخذ في إحياء أرض في آخر أمره فقيل له؟ فقال:
ما حملني عليه إلا قول القائل:
ليس الفتى بفتى لا يستضاء به * ولا يكون له في الأرض آثار (رأيت رؤيا ثم عبرتها * وكنت للأحلام عبارا) في سورة يوسف عند قوله تعالى (إن كنتم للرؤيا تعبرون) قال في الكشاف: عبرت الرؤيا بالتخفيف هو الذي اعتمده الأثبات، ورأيتهم ينكرون عبرت بالتشديد والتعبير والمعبر. قال: وقد عثرت على بيت أنشده المبرد في كتاب الكامل رأيت رؤيا الخ، وعبرت الرؤيا: ذكرت عاقبتها وآخر أمرها، كما تقول عبرت النهر: إذا قطعته حتى تبلغ آخر عرضه، ونحوه أولت الرؤيا إذا ذكرت مآلها.
أين كسرى كسرى الملوك أبو * ساسان بل قبله سابور (ثم بعد الفلاح والملك والإمة * وارتهم هناك القبور) في سورة يوسف عند قوله تعالى (وادكر بعد إمة) على القراءة بكسر الهمزة، قال عدى: ثم بعد الفلاح الخ: أي ما أنعم عليه بالنجاة فلاح الدهر بقاؤه. والأمة بكسر الهمزة: النعمة. يقول: أين عظماء الملوك الذين كانوا في النعمة والحبور، سترتهم القبور ولا يدرى حالهم في التراب. ومن أحسن ما قيل في هذا المعنى قوله:
ألا لا أرى ذا نعمة أصبحت به * فتتركه الأيام وهى كما هيا (دعوت لما نابني مسورا * فلبا فلبى يدي مسور) في سورة إبراهيم عند قوله تعالى (فاطر السماوات والأرض يدعوكم ليغفركم من ذنوبكم) أي يدعوكم لأجل المغفرة كقوله دعوته لينصرني ودعوته ليأكل معي، ومنه قول الطغرائي:
(٤٠٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 402 403 404 405 406 407 408 409 410 411 412 ... » »»
الفهرست