تنزيل الآيات على الشواهد من الأبيات ، شرح شواهد الكشاف - محب الدين الأفندي - الصفحة ٤٠٢
(لا يدهمنك من دهمائهم عدد * فإن جلهم بل كلهم بقر) في سورة المائدة عند قوله تعالى (ولو أعجبك كثرة الخبيث) البيت لأبى تمام، وقبله:
لم يبق من جل هذا الناس باقية * ينالها الوهم إلا هذه الصور دهمه غشيه. يقول لا يدهمنك من جماعتهم الكثيرة عدد فيهم غناء ونصرة فإن كلهم كالأنعام والبهائم ولله در القائل: لا يدهمنك اللحاء والصور * تسعة أعشار من ترى بقر في شجر السرو منهم شبه * له رواء ما له ثمر وكما قال: لا بأس بالقوم من طول ومن عظم * جسم الجمال وأحلام العصافير (أحار بن عمرو كأني خمر * ويعدو على المرء ما يأتمر) في سورة المائدة عند قوله تعالى (إذ قال الحواريون يا عيسى ابن مريم) في محل النصب على اتباع حركته حركة الابن كقولك يا زيد بن عمرو، وهى اللغة الفاشية، ويجوز أن يكون مضموما كقولك يا زيد بن عمرو، والدليل عليه قوله أحار بن عمرو أصله يا حارث بن فرحة، والترخيم لا يكون إلا في المضموم، لأن المفتوح مع الصفة بمنزلة اسم واحد كالمركب، ولا ترخيم في وسط الكلمة ولأن في ضم المفتوح إخلالا بالفتحة المجتلبة للتناسب والاتباع، والخمر الذي أصابه الخمار، وقيل الذي خامره داء. ما يأتمر فاعل يعدو: أي ائتماره وامتثاله على أن ما مصدرية، أو ما يمتثل من أمر نفسه وهواه على أنها موصولة، قال الشاعر:
بخط كأن الله قال لحسنه * تشبه بمن قد خطك اليوم فأتمر وقيل يأتمر من الائتمار والمؤامرة وهى الصلح، قال الشاعر:
فلما أن رأينا الناس صاروا * أعادى ليس بينهم ائتمار - أي حكم (تردت به ثم انفرى عن أديمها * تفرى ليل عن بياض نهار) في سورة الأنعام عند قوله تعالى (فالق الإصباح) ومعنى فلق الصبح والظلمة هي التي تنفلق عن الصبح كما قال * تفرى ليل عن بياض نهاره * أنه فلق ظلمة الإصباح وهى الغبش في آخر الليل، ومقتضاه الذي يلي الصبح، أو يراد فالق الإصباح هو عمود الفجر عن بياض النهار وإصفاره، والشعر لأبى نواس يصف الخمر، وقبله: كأن بقايا ما عفا عن حبابها * تفاريق شبب في سواد عذار ثم البيت والتشبيه في أن الحباب ستر الخمر لقوله تردت فلما انشق الحباب عن وجه الخمر ظهرت كما انشق الليل عن بياض النهار واستبان.
(لا بأس بالقوم م طول ومن عظم * جسم الجمال وأحلام العصافير) في سورة الأعراف عند قوله تعالى (حتى يلج الجمل في سم الخياط) فإن سم الإبرة مثل في ضيق المسلك يقال:
أضيق من خرت الإبرة، وقالوا للدليل الماهر خريت لإهتدائه في المضايق المشبهة بأخرات الإبر والجمل مثل في عظم الجرم، ويضرب المثل بالعصفور لأحلام الحمقى فيقال: أخف حلما من العصفور كأنه يقول: لا يعجبك من القوم المعلوم عظم جسمهم وطول قامتهم لهم جسم الجمال وأحلام العصافير، وإنما المرء بالعقل والحلم لا باللحم والشحم، ويعجبني في هذا المعنى قول ثوبان بن جهم المذحجي:
(٤٠٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 397 398 399 400 401 402 403 404 405 406 407 ... » »»
الفهرست