يوصفون بالقلة إنما يوصفون بها بالنسبة إلى أهل الضلال، وأيضا فإن القليل من المهتدين كثير في الحقيقة وإن قلوا في الصورة فسموا ذهابا إلى الحقيقة كثيرا، وأيضا فإن الله تعالى قادر أن يجمع ما في الناس من الفضائل في واحد كما قال:
متى تخطى إليه الرجل سالمة * تستجمعي الخلق في تمثال إنسان وقول أبى نواس:
ليس على الله بمستنكر * أن يجمع العالم في واحد (فواسقا عن قصدها جوائرا) * يذهبن في نجد وغورا غائرا هو لرؤبة. في سورة البقرة عند قوله تعالى (وما يضل به إلا الفاسقين) يصف نوقا تمشى في المفاوز يجرن عن استقامة الطريق ويذهبن طورا نجدا وطورا غورا. وقد استشهد بالبيت المذكور في سورة الكهف عند قوله تعالى (ففسق عن أمر ربه) أي خرج عن طاعته. وقد استشهد بالبيت المذكور في سورة الحجرات عند قوله تعالى (إن جاءكم فاسق بنبأ) قال صاحب الصحاح: قال ابن الأعرابي: لم يسمع قط في كلام الجاهلية ولا في شعرهم فاسق قال: وهذا عجيب، وهو كلام عربي.
(أو معبر الظهر ينبى عن وليته * ما حج ربه في الدنيا ولا اعتمرا) في سورة البقرة عند قوله تعالى (مسلمة لاشية فيها) أي سلمها الله من العيوب أو معفاة من العمل سلمها أهلها منه كقوله: أو معبر الظهر الخ. معبر الظهر: الذي لا وبر عليه. وينبى من نبا عنه: إذا فارقه. والولية: البردعة لأنه يلي الجلد، والضمير للبعير. والمعنى: معبر الظهر ينفر عن البردعة لدبره ومن كثرة ما قاسى من شدائد السفر، ثم قال رب هذا البعير ما حج في الدنيا ولا اعتمر على هذا البعير بل سافر إلى بلاد الأعداء وصبحهم بها. وربه يقرأ باختلاس الحركة من الهاء للوزن كما في قراءة قالون (فألقه إليهم) مكسورة الهاء من غير ياء، قال أبو علي:
في ألقه وصل الهاء بياء ونحوه أقيس وأشبه، وترك وصله بالياء إنما يجرى في الشعر كقوله:
* ما حج ربه في الدنيا ولا اعتمرا * (أكلت دما إن لم أرعك بضرة * بعيدة مهوى القرط طيبة النشر) هو من أبيات الحماسة. في سورة البقرة عند قوله تعالى (أولئك ما يأكلون في بطونهم إلا النار) وقيل البيت:
دمشق خذيها واعلمي أن ليلة * تمر بعودي نعشها ليلة القدر هو دعاء على نفسه بأكل الدية إن لم يتزوج عليها، يقال فلان يأكل الدم إذا أكل الدية التي هي بدل منه، وأخذها عار عند العرب كما قال:
فلا تأخذوا عقلا من القوم إنني * أرى العار يبقى والمعاقل تذهب ومنه قوله: * يأكلن كل ليلة إكافا * أي ثمنه ومنه قوله: إني رأيت عجبا مذ أمسا * عجائزا مثل السعالى خمسا يأكلن ما في رحلهن همسا * لا ترك الله لهن ضرسا وقد استشهد بالبيت المذكور في السورة المذكورة عند قوله تعالى (إنما يأكلون في بطونهم نارا) لأنه أكل