تنزيل الآيات على الشواهد من الأبيات ، شرح شواهد الكشاف - محب الدين الأفندي - الصفحة ٤٠٨
فقلت أدعوك للجلى لتنصرني * وأنت تخذلني في الحادث الجلل يقول: دعوت مسورا لينصرني لما نابني من الشدائد فقال لبيك: أي قريبا منك وطاعة، من قولك لبيت بالمكان إذا أقمت به، ثم ثنى للتأكيد: أي أقمت عندك إقامة بعد إقامة وإجابة. وقيل لبى يديك:
أي سلمت يدك وصحتا من لب بالمكان لزمه. والمعنى: دعوته فأجابني، فكأنه دعا له بأن يكون مجابا كما كان مجيبا: أي فأجاب والله دعاءه ونصره نصرا. وإقحام اليد للمبالغة وفى تثنيتها لطف وترشيح، وكان حقه أن يقول يداك، فأراد ازدواج الكلام كما قالوا حياك وبياك وإنما هو بواك. وقائل الشعر أعرابي من بنى أسد، قالوا:
وفى البيت شذوذ وهو إضافته إلى ظاهر وهو نادر لأنه من الأسماء التي تلزم الإضافة إلى مضمر. وفى شرح الكشاف: كتب ابن حبيب الكاتب فلبا الأولى بالألف والثانية بالياء على إضافتها إلى يدي إضافة المصدر إلى المفعول، وصححه الصغاني ليعلم أن الأول فعل والثاني مصدر منصوب وعلامة النصب فيه الياء.
(لولا الحياء ولو ما الدين عبتكما * ببعض ما فيكما إذ عبتما عورى) هو لابن مقبل. في سورة الحجر عند قوله تعالى (وقالوا يا أيها الذي نزل عليه الذكر إنك لمجنون - لو ما تأتينا بالملائكة إن كنت من الصادقين) كان هذا النداء منهم على وجه الاستهزاء كما قال فرعون (إن رسولكم الذي أرسل إليكم لمجنون) وكيف يقرون بنزول الذكر عليه وينسبون إليه الجنون، والتعكيس في كلامهم للاستهزاء والتهكم مذهب واسع نحو (فبشرهم بعذاب - إنك لأنت الحليم الرشيد) والشاهد في لو ركبت مع لا وما المبنيين معنى امتناع الشئ لوجود غيره، ومعنى التحضيض كما قال ابن مقبل: أي هلا تأتينا بالملائكة يشهدون بصدقك ويعضدونك على إنذارك كقوله (لولا أنزل إليه ملك فيكون معه نذيرا) أو هلا تأتينا بالملائكة للعقاب على تكذيبنا لك إن كنت صادقا كما كانت تأتى الأمم المكذبة برسلها. والشاعر يخاطب رجلين ويقول لهما: لولا الحياء ولولا الدين عبتكما ببعض ما فيكما إذ عبتما عورى.
(يراوح من صلوات المليك * طورا سجودا وطورا جؤارا) في سورة النحل عند قوله تعالى (فإليه تجأرون) والجؤار: رفع الصوت بالدعاء والاستغاثة كما قال الأعشى يرواح الخ. والمرواحة: عملان في عمل ذا مرة وذا مرة، والصلاة بمعنى الدعاء يقول: يراوح دعاء الله طورا يدعو في السجود خفية وتارة يدعو جهارا وجؤارا، وقبل البيت:
وما آبلى على هيكل * بناه وصلب فيه وصارا بأعظم منك تقى في الحساب * إذا النسمات نفضن الغبارا يقول: وما راهب منسوب إلى آبل، وهو قيم البيعة على بيت صنم بناه وصور الصليب في ذلك الهيكل وصار إليه يتابع من صلوات الله: أي من دعواته من راوح بين قدميه في الصلاة: إذا اعتمد على إحدى القدمين مرة وعلى الأخرى أخرى، تارة يسجد سجودا وتارة يجأر جؤارا. بأعظم منك تقى في حساب يوم القيامة: إذا نفضت النفوس الغبار عنهن عند البعث.
مالك عندي غير سهم وحجر * وغير كبداء شديدة الوتر (جادت بكفي كان من أرمى البشر)
(٤٠٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 403 404 405 406 407 408 409 410 411 412 413 ... » »»
الفهرست