وتأخرت. يقول: إن صاحبي تمنى أخيرا أن يكون أطاعني فيما نصحته وأشرت إليه أولا، والحال أنه قد حدثت أمور بعد أمور دلت على رشادي وصدق رأيي.
(مشق الهواجر لحمهن مع السرى * حتى ذهبن كلا كلا وصدورا) هو لجرير. في سورة الملائكة عند قوله تعالى (فلا تذهب نفسك عليهم حسرات) على تقدير أن يكون حسرات حالا على المبالغة، كأن كلها صارت حسرات لفرط التحسر: أي لم يبق إلا كلاكلها وصدورها كقوله:
فعلى إثرهم تساقط نفسي * حسرات وذكرهم لي سقام وكونها حالا هو قول سيبويه، ويجوز أن يكون حسرات مفعولا له: أي لأجل الحسرات، وعليهم صلة تذهب، ولا يجوز أن يتعلق بحسرات لأن المصدر لا يتقدم عليه صلته. يقال: فرس ممشوق: فيه طول وقلة لحم، وجارية ممشوقة حسنة القوام قليلة اللحم. حتى ذهبن: أي رجعن. والكلاكل: يعنى أن كثرة السير في الهواجر والسري في الدياجر برى لحم تلك الآبال بسرعة.
دعوت إلهي دعوة ما حملتها * وربى بما تخفى الصدور بصير (لئن كان يهدى برد أنيابها العلى * لأفقر منى إنني لفقير) فما أكثر الأخبار أن قد تزوجت * فهل يأتيني بالطلاق بشير في سورة يس عند قوله تعالى (وأن اعبدوني هذا صراط مستقيم) أي بليغ في بابه واستقامته، جامع لكل شرط يجب أن يكون عليه لا صراط أقوم منه. ونحو التنكير فيه ما في قول كثير: إنني لفقير. أراد إنني لبليغ في الفقر حقيق بأن أوصف به لكمال شرائطه في وإلا لم يستقم معنى البيت. وقوله يهدى: إما من الإهداء وهو الإتحاف، أو من الهداء وهو الزفاف. وقوله أنيابها العلى: يريد بها الشريفة العالية الشأن، ويجوز أن يراد بها الأعالي من الأسنان لأنها موضع القبل. وقوله إنني لفقير، والمعنى: إن كان يعطى برد أنيابها وطيب رضابها لمن هو أفقر منى إليها فإنني لفقير مطلقا: أي لا غاية وراء فقري. ومعنى البيت الأخير: كثر في أفواه الناس الإخبار بتزوجها واشتغالها ببعلها عن غيره، فهل يأتيني بشير بتطليقها، وهذا ليس باستفهام وإنما هو تمن. وقد استشهد بالبيت المذكور أيضا في سورة الطارق عن قوله تعالى (إنه على رجعه لقادر).
(أصبحت لا أملك السلاح ولا * أملك رأس البعير إن نفرا) والذئب أخشاه إن مررت به * وحدي وأخشى الرياح والمطرا قائله الربيع بن منيع، قال أبو حاتم: كان من أطول من كان قبل الإسلام عمرا، عاش ثلاثمائة وأربعين سنة ولم يسلم، وقال حين بلغ مائة وأربعين سنة:
أصبح منى الشباب مبتكرا * إن ينأ عني فقد ثوى عصرا فارقنا قبل أن نفارقه * لما قضى من جماعنا وطرا وبعده البيتان. في سورة يس عند قوله تعالى (فهم لها مالكون) إذ فسر قوله (لها مالكون) أي ضابطون قاهرون كقوله: أصبحت لا أملك السلاح الخ: أي لا أضبطه، وهو من جملة النعم الظاهرة، وإلا فمن كان يقدر عليها لولا تذليله وتسخيره لها. سئل أبو المهزم كيف أصبحت؟ فأنشد البيتين.