تنزيل الآيات على الشواهد من الأبيات ، شرح شواهد الكشاف - محب الدين الأفندي - الصفحة ٤٥٤
إذا المرء لم يغش الكريهة أوشكت * حبال الهويني بالفتى أن تقطعا (تعبدني نمر بن سعد وقد أرى * ونمر بن سعد لي مطيع ومهطع) في سورة القمر عند قوله تعالى (مهطعين إلى الداع) أي مسرعين مادي أعناقهم إليه، وقيل ناظرين إليه لا يقلعون بأبصارهم. والتعبد: اتخاذ الناس عبيدا. يقول: تعبدني هذا الرجل وكان قبل هذا مطيعا لي وناظرا إلي لا يقلع بصره عني ينتظر مراسمي. وقوله تعبدني إخبار في صورة الإنكار كقوله: أفرح أن أرزأ الكرام، وقد تقدم.
(وإني لأستوفي حقوقي جاهدا * ولو في عيون النازيات بأكرع) في سورة القمر عند قوله تعالى (على ذات ألواح ودسر) أراد السفينة وهي من الصفات التي تقوم مقام الموصوفات فتنوب منابها وتؤدي مؤداها، ونحوه: * ولو في عيون النازيات بأكرع * أراد: ولو في عيون الجراد النازيات الواثبات. بأكرع: بسوق دقيقة، أراد ولو في عيون الجراد، سماهن بذلك لأنهن ينزين بالأكرع وهي أرجلهن. والنزو: الوثب. يصف الشاعر هزال الإبل وأنها لضمورها ترى أشخاصها في عين ما يقابلها حتى في عين الجراد لأن النزو بالأكرع يختص بها.
(وقمت إليه باللجام ميسرا * هنالك يجزيني الذي كنت أصنع) في سورة القمر عند قوله تعالى (ولقد يسرنا القرآن للذكر) سهلناه للادكار والاتعاظ، بأن شحناه بالمواعظ الشافية فهل من متعظ. وقيل ولقد سهلناه للحفظ. وقيل المعنى: ولقد هيأناه للذكر: من يسر ناقته للسير: إذا أرسلها، ويسر فرسه للغزو: إذا أسرجه وألجمه. قال * وقمت إليه باللجام ميسرا * الخ. يقول: وقمت إلى فرسي مهيئا له باللجام للدفاع والقتال، ثم قال: في ذلك الوقت يجزيني ما أعايشه وأعامله به من إيثار اللبن والتضمير والتعليف، وهو من أبيات الحماسة. قال: كان البدوي يقف على فرسه ناقة أو ناقتين فكان يسقيه لبنها.
يقول: ساعة يسرج يجزى هذا الفرس ما كنت أصنع في شأنه من إعطاء اللبن. فقوله هنالك إشارة إلى ذلك الوقت على سبيل الاستعارة، أو إشارة إلى مكان القتال لقوله: فقمت إليه باللجام الخ.
مسسنا من الآباء شيئا وكلنا * إلى نسب في قومه غير واضع) في سورة الجن عند قوله تعالى (وأنا لمسنا السماء فوجدناها ملئت حرسا شديدا وشهبا) اللمس: المس، أستعير للطلب لأن الماس طلب متعرف، قال: مسسنا الخ، وهو من أبيات الحماسة. يخاطب الشاعر بني عمه ويفتخر بأنه مخول أيضا دونهم فيقول: طلبنا من قبل الآباء بالتفاخر فكنا فرسي رهان، ثم طلبنا من قبل الأمهات فكان بنو عمكم: يعني آباء الشاعر كرام المضاجع كناية عن الأزواج وما أحسنها. وهذا من أحسن المعاريض لأن المراد: كنا من طرف الآباء سواء، وكانت أمهاتنا أشرف من أمهاتكم. ومن هذا الباب. قوله:
إذا ما انتسبنا لم تلدني لئيمة * ولن تجدي من أن تقري به بدا وعلى عكس ذلك قوله:
لا تزدرين فتى من أن يكون له * أم من الروم أو سوداء عجماء فإنما أمهات الناس أوعية * مستودعات وللآباء أبناء وقد تقدم الكلام على البيتين في محلهما على سبيل البسط والإطناب بما يستحسنه ذوق أولى الألباب.
(٤٥٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 449 450 451 452 453 454 455 456 457 458 459 ... » »»
الفهرست