تنزيل الآيات على الشواهد من الأبيات ، شرح شواهد الكشاف - محب الدين الأفندي - الصفحة ٤٤٩
الجون: الأسود: والسراة: الظهر، وسراة كل شئ: أعلاه. والجدائد: الأتن اللواتي قد جفت ألبانهن، يقال جديدة وجدد، يقال امرأة جداء: لا ثدي لها. يقول: أهلك الدهر بني وتواترت علي المصائب، فلي عزاء بأن الدهر لا يبقى على حدثانه شئ حتى الحمار مع الأتن يرعى في القفار والجبال.
(إذا قال قدني قال بالله حلفة * لتغنى عني ذا إنائك أجمعا) في سورة الملائكة عند قوله تعالى (إنه عليم بذات الصدور) وذات الصدور: مضمراتها، وهي تأنيث ذو نحو قول أبي بكر رضي الله عنه: ذو بطن خارجة جارية: أي جنينها جارية كما في البيت. المعنى: ما في بطنها من الحمل وما في إنائك من الشراب، لأن الحمل والشراب يصحبان البطن والإناء، ألا ترى إلى قولهم معها حمل وكذلك المضمرات تصحب الصدور وهي معها، كما أن اللبن يصحب الضرع، ومنه قوله:
وإن تعتذر بالمحل عن ذي ضروعها * إلى الضيف يجرح في عراقيبها نصلى وقال الله تعالى (رب إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع) وذو موضوع لمعنى الصحبة. وقدني وقطني بمعنى واحد وهو حسبي. وذا إنائك: أي ما في إنائك من الشراب، معناه: أن الضيف لما نزل بالمضيف أكرم مثواه وبالغ في تهيئة الشراب واللبن، فقال له الضيف وهو يسقيه ما في الإناء: حسبي ما شربته، فقال له الساقي: أقسم بالله لتشربن جميع ما في إنائك من اللبن. وحلفة منصوب على المصدر لآليت، لأن تقديره أحلف بالله، ولتغنى بفتح لام القسم، ولتغنى على تقدير ثبوت النون الخفيفة في النية وإن كانت محذوفة من اللفظ، وإنما أضاف الإناء إلى كاف الخطاب، وليس الإناء للمخاطب وإنما هو للمتكلم لما كان بين المخاطب وبين الإناء نوع ملابسة.
(برى لحمها سير الفيافي وحرها * وما بقيت إلا الضلوع الجراشع) هو للبيد. في سورة يس عند قوله تعالى (إن كانت إلا صيحة واحدة) العامة على نصب الصيحة، على أن كان ناقصة واسمها ضمير الأخذة لدلالة السياق وصيحة خبرها، والقياس والاستعمال على تذكير الفعل لأن المعنى: ما وقع شئ إلا صيحة، ولكنه نظر إلى ظاهر اللفظ وأن الصيحة في حكم فاعل الفعل، ومثلها في قراءة الحسن (فأصبحوا لا ترى إلا مساكنهم) وبيت لبيد * وما بقيت إلا الضلوع الجراشع * وقال آخر: ما سلمت من ريبة وذم * في حربنا إلا بنات العم والجرشع: العظيم الصدر الواسع البطن، وفي معناه قول الشاعر:
مشق الهواجر لحمهن مع السرى * حتى ذهبن كلاكلا وصدورا وأين هذه من قوله:
شجعاء جرتها الذميل تلوكه * أصلا إذا راح المطي غراثا وقد استشهد بالبيت المذكور في سورة الأحقاف عند قوله تعالى (فأصبحوا لا ترى إلا مساكنهم) على تقدير القراءة بالتاء وترك تسمية الفاعل وهو ضعيف، لأنه إذا كان الفاصل إلا يمنع لحوق علامة التأنيث في الفعل إلا في ضرورة كقوله * وما بقيت إلا الضلوع الجراشع * القراءة بالياء أقوى لأنه لا يقال ما جاءتني إلا امرأة، بل يقال ما جاءني إلا امرأة: أي أحد أو شئ إلا امرأة. واعلم أن جميع تراكيب القرآن لا يلزم أن تكون أفصح على
(٤٤٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 444 445 446 447 448 449 450 451 452 453 454 ... » »»
الفهرست