تنزيل الآيات على الشواهد من الأبيات ، شرح شواهد الكشاف - محب الدين الأفندي - الصفحة ٤٤٣
ومنها: والنفس راغبة إذا رغبتها * وإذا ترد إلى قليل تقنع والدهر لا يبقى على حدثانه * جون السراة له جدائد أربع وهي طويلة وما ذكرناه بعض منها:
ولما رأيت السير أعرض دوننا * وجالت بنات الشوق يحسبن نزعا (تلفت نحو الحي حتى وجدتني * وجعت من الإصغاء ليتا وأخدعا) هو للحماسي. عند قوله تعالى في سورة الحجر (ولا يلتفت منكم أحد) ومعنى النهي عن الالتفات: أن الله تعالى لما بعث الهلاك على قومه ونجاه وأهله إجابة لدعوته عليهم وخرج مهاجرا فلم يكن بد من الاجتهاد في شكر الله تعالى وإدامة ذكره وتفريغ باله لذلك، فأمر بأن يقدمهم، لئلا يشتغل بمن خلفه قلبه، وليكون مطلعا عليهم وعلى أحوالهم لئلا تفرط منهم التفاتة في تلك الحالة المهولة، ولئلا يتخلف منهم أحد لغرض له فيصيبه العذاب، وليكون مسيره مسير الهارب الذي يقدم سربه ويفوت به، ونهوا عن الالتفات لئلا يروا ما ينزل بقومهم من العذاب فيرقوا لهم، وليوطنوا أنفسهم على المهاجرة ويطيبوها عن مساكنهم ويمضوا غير ملتفتين إلى ما وراءهم، كالذي يتحسر على مفارقة وطنه فلا يزال يلوي إليه أخادعه، كما قال: تلفت نحو الحي الخ. والليت: صفحة العنق، والأخدع:
عرق فيها. يقول: لما أخذت في سيري صرت ملتفتا إلى من خلفي من ديار الحي والأحباب فيها تحسرا في أثر الفائت من أحبابي وديارهم وتذكرا لطيب أوقاتي معهم فيها. وقيل إذا التفت المسافر لم يتم سفره، وإنما التفت لأنه كان عاشقا فأحب أن لا يتم سفره ليرجع إلى محبوبه. وقيل النهي عن الالتفات في الآية كناية عن مواصلة السير وترك التواني والتوقف، لأن من يلتفت لا بد له في ذلك من أدنى وقفة (أتجعل نهبي ونهب العبيد * بين عيينة والأقرع وما كان حصن ولا حابس * يفوقان مرداس في مجمع وما كنت دون امرئ منهما * ومن تضع اليوم لا يرفع) في سورة الإسراء عند قوله تعالى (ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوما محسورا) عن جابر: بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم جالس إذ أتاه صبي فقال: إن أبي يستكسيك درعا، فقال من ساعة إلى ساعة يظهر فعد إلينا، فذهب إلى أمه فقالت له: قل له إن أبي يستكسيك الدرع الذي عليك، فدخل داره ونزع قميصه وأعطاه إياه وقعد عريانا، وأذن بلال وانتظر فلم يخرج للصلاة. وقيل أعطى الأقرع بن حابس مائة من الإبل وعيينة بن حصن كذلك فجاء عباس بن مرداس وأنشأ يقول: أتجعل نهبي ونهب العبيد إلى آخر الثلاثة أبيات، فقال: يا أبا بكر اقطع لسانه عني أعطه مائة من الإبل فنزلت. وقوله في الحديث من ساعة إلى ساعة يظهر الظاهر. تعلقه بيظهر وهو تركيب فاش في حرفي العرب والعجم، وقيل هو متعلق بمحذوف: أي أخر سؤالك من ساعة إلى ساعة: أي من ساعة ليس فيها درع إلى ساعة يظهر لنا فيها درع، والدرع هنا:
القميص.
يلوذ ثعالب الشرقين منها * (كما لاذ الغريم من التبيع) هو للشماخ. في سورة الإسراء عند قوله تعالى (ثم لا تجدوا لكم علينا به تبيعا) التبيع المطالب من قوله تعالى
(٤٤٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 438 439 440 441 442 443 444 445 446 447 448 ... » »»
الفهرست