وقد عظم البعير بغير لب * فلم يستغن بالعظم البعير يصرفه الصبى بكل وجه * ويحبسه على الخسف الجرير (وتضربه الوليدة بالهراوي * فلا غير لديه ولا نكير) في سورة يس عند قوله تعالى (فهم لها مالكون) وهو من جملة النعم الظاهرة، وإلا فمن كان يقدر عليها لولا تذليله وتسخيره. والخسف: الذل. والجرير: حبل يتخذ للبعير كالعذار للدابة وليس الزمام، وبه سمى الرجل جريرا. والهراوي جمع هراوة: وهي العصا. والمعنى: ترى البعير من عظمه وقوته ما لم يصحب عظم اللب وقوة التمييز لم يستغن بما أعطى من ذلك، بل تراه مسخرا للصبي على وجه التذلل، وأن الوليدة تضربه أوجع الضرب فلا إنكار منه ولا ذهاب عنه ولا تغير إليه ولا نكير لديه. حكى عن عند الملك بن مروان أنه كان يحب النظر إلى كثير عزة، فلما ورد عليه إذا هو حقير قصير تزدريه العين، فقال عبد الملك: تسمع بالمعيدي خير من أن تراه، فقال: مهلا يا أمير المؤمنين، فإنما المرء بأصغريه: قلبه ولسانه إن نطق نطق ببيان، وإن قاتل قاتل بجبان، وأنا الذي أقول:
وجربت الأمور وجربتني * وقد أبدت عريكتي الأمور وما تخفى الرجال علي إني * بهم لأخو مثاقبة خبير ترى الرجل النحيف فتزدريه * وفى أثوابه أسد زئير ويعجبك الطرير فتبتليه * فيخلف ظنك الرجل الطرير وما عظم الرجال لهم بزين * ولكن زينها كرم وخير بغاث الطير أطولها جسوما * ولم تطل البزاة ولا الصقور * وقد عظم البعير بغير لب * إلى آخر الأبيات، وبعدها:
وعود النبع ينبت مستمرا * وليس يطول والقصباء خور (لعمري لئن أنزفتم أو صحوتم * لبئس الندامى أنتم آل أبجرا) هو للأبيوردي. في سورة الصافات عند قوله تعالى (لا يصدعون عنها ولا ينزفون) يقال أنزف القوم: إذا انقطع شرابهم: أي صار ذا نزف، ونظيره أقشع السحاب وقشعته الريح: أي دخل في القشع، ونزف منه الدم:
إذا خرج منه دم كثير حتى يضعف، ونزف الرجل في الخصومة: إذا انقطعت حجته. يخاطب أهل أبجر ويقسم ويقول: بئس الندامى أنتم سكرى أو صاحين.
جد بالوفاق لمشتاق إلى سهره * (إن لم تجد فحديث ما على قصره) في سورة ص عند قوله تعالى (جند ما هنالك مهزوم من الأحزاب) من جهة أن ما مزيدة وفيها معنى الاستعظام كما في قول امرئ القيس:
(ألف الصفون فما يزال كأنه * مما يقوم على الثلاث كسيرا)