اما النزعة الاعتزالية فقد ظهرت عليه في مسألة (الارجاء والوعيد) ومسألة (خلق الجنة والنار)، ولكن موافقة المعتزلة في رأيين يتبعهم فيهما كثير من الناس لا يقتضي الرمي بالاعتزال، على أن الاعتزال منهج لا عقيدة يسلكه الامامي وغيره، ولقد كان الشيخ أبو جعفر الطوسي يقول بالوعيد ثم رجع عنه. وما من منقصة على إمامي إذا ذهب في مسألة إلى رأي من يقول بالعدل ويبني أصله عليه. ومع ذلك فالشريف ليس بالرجل الذي يوافق المعتزلة على سائر آرائهم. وإن شئت فقل:
هو إمامي واقف في حيطة اعتزال محدود لا يتجاوز آراء خاصة. وبعد هذا فمن يتعمق في مناحي كتابه هذا (حقائق التأويل) يعرف انه هو الرجل الذي إذا قاده البرهان إلى شئ لا يبالي ان يجاهر به، ولا يحفل أن يتفق أهل الملل كافة على خلافه.
إن الكتاب المذكور يحدثنا عنه بأفصح بيان وأبلغه أنه لا يتطامن للعقيدة تقليدا، ولا يأخذ بها اتباعا، وأنه ربما مر عليه الزمن الأطول وهو شاك تتضارب لديه الحجج وتتنافى عنده البراهين، وأنه لا يزال كذلك حتى يحصل له الاذعان بشئ بعينه، فإذا حصل ربما عدل به عن امر كان يراه صوابا وعن شئ كان معتقدا له ردها من الزمن. وتجد مثالا لذلك في ص 16 - 17.