ومما يؤكد ذلك أن مجاهدا قال في قوله تعالى: (ذلك خير وأحسن تأويلا) (1): (إنه سبحانه أراد بالتأويل ههنا: الجزاء على الاعمال)، فهذا المعنى يلامح ما نحن في ذكره، لان الجزاء إنما هو الشئ الذي آلوا إليه وحصلوا عليه.
وقد قيل أيضا: (إن المراد وما يعلم تأويله على التفصيل إلا الله تعالى أو لا يعلم تأويله بعينه إلا الله، لان كثيرا من المتشابه يحتمل الوجوه الكثيرة، وكلها غير خارج عن أدلة العقول، فيذكر المتأولون جميعها، ولا [يقع] (2) القطع منهم على مراد الله تعالى بعينه منها، ولا يعلم ذلك إلا الله، لان الذي يلزم المكلف من ذلك أن يعلم في الجملة أنه سبحانه لم يرد ما يخالف أدلة القول، ولأنه ليس من تكليفنا أن نعلم [أن] (3) المراد من ذلك بعينه، وإن كان العلماء يعلمونه على الجملة وعلى الوجه الذي يمكن أن يعلم عليه).
و [في] (4) قول الراسخين في العلم: (آمنا به كل من عند ربنا) دلالة على استسلامهم في ما لم يعلموا من تأويل المتشابه، وما استبد الله بعلمه من قبيل ما ذكرنا: كوقت القيامة وتمييز الصغائر من الكبائر، إلى ما أشبه ذلك، فقد بان أن في تأويل المتشابه ما لا يعلمونه، وإن كان يعلمون كثيرا منه.